فيما يكرر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو القول، وتحديداً لأقطاب حزبه من المعسكر اليمين المتشدد، إن إسرائيل والسلطة الفلسطينية ليستا قريبتين من التوصل إلى اتفاق سلام كما يشيع وزير الخارجية الأميركي جون كيري، تؤكد تقارير صحافية إسرائيلية تعتمد مصادر وثيقة مطّلعة على ما يدور في غرف المفاوضات، أن واشنطن ومعها الاتحاد الأوروبي جادان في مساعيهما الى تقريب وجهات النظر بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وأن الأولى تعتزم حقاً عرض «اتفاق إطار» يتضمن مبادئ حل القضايا الجوهرية للصراع، بينها مطالبة إسرائيل بإخلاء المستوطنات التي أنشأتها في غور الاردن المحتل تدريجاً خلال فترة ثلاث أو أربع سنوات بهدف تسليم السيطرة على هذه الأراضي للدولة الفلسطينية. وأوضحت صحيفة «يديعوت احرونوت» أن قيادة الجيش توافق مبدئياً على إخلاء المستوطنات، بينما يعارض الفكرة المستوطنون الذين يسيطرون على 6 في المئة من الأراضي المحتلة عام 1967. وأشار المعلق العسكري في الصحيفة أليكس فيشمان إلى أن الاقتراح الأميركي يبدو غريباً، خصوصاً أن «غالبية الإسرائيليين ترى في الغور جزءاً من إسرائيل في إطار أي اتفاق في المستقبل»، وأنه حتى في حال انسحابها منه، فإن إسرائيل تصر على إبقاء جيشها فيه أيضاً بعد قيام الدولة الفلسطينية بداعي حماية حدودها مع هذه الدولة ومع الأردن. وأضاف أن الأميركيين أوضحوا لإسرائيل أنه في حال أصرت على إبقاء احتلالها للغور، فإنها مطالَبة بتعويض الفلسطينيين بأرض إسرائيلية بديلة بالمساحة ذاتها. ورأى فيشمان أنه بغض النظر عن الموقف الإسرائيلي من مقترحات كيري، «إلا أن وزير الخارجية الأميركي يستعد في جولته القريبة للمنطقة للدخول في الجولة الحاسمة من المفاوضات، مدعوماً بتأييد المجتمع الدولي». وأضاف أن كيري يطبخ «عاصفة سياسية» في المنطقة، «وهذا ما كانت إسرائيل تعتزم الاستعداد له كاستعدادها للعاصفة الثلجية الأسبوع الماضي (ويقصد عدم استعدادها)، فإن أياماً من تصبب العرَق البارد تنتظر رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو». وكان زعيم «البيت اليهودي» المتطرف، وزير الاقتصاد نفتالي بينت أعلن مساء أول من أمس أنه «لن تكون هناك مشكلة جدية في حال التوصل إلى اتفاق سلام شامل، شرط أن يتضمن اعتراف جميع الفلسطينيين بإسرائيل دولة يهودية، وشرط إخضاع اتفاق كهذا على الاستفتاء العام ليقينه أن «الغالبية سترفضه». وأضاف أنه لن يوافق على تقديم أي تنازل للفلسطينيين «مجاناً»، معتبراً أن نقل أراضٍ محتلة إلى الفلسطينيين في إطار اتفاق جديد «غير جائز في الوقت الراهن». إلى ذلك، كشفت الصحيفة أن واشنطن شرعت في استطلاع مواقف أحزاب المعارضة في إسرائيل من اتفاق سلام مع الفلسطينيين قد يتم التوصل إليه، لتضيف أن السفير الأميركي في تل أبيب دان شبيرو ومساعد الموفد الأميركي الخاص للمفاوضات ديفيد مكوفسكي اجتمعا قبل يومين مع زعيم حركة «شاس» الدينية الشرقية المتزمتة آريه درعي لجس نبضه من احتمال انضمامه إلى الائتلاف الحكومي في حال غادره حزب المستوطنين «البيت اليهودي» احتجاجاً على أي اتفاق يمكن التوصل اليه مع الفلسطينيين، أو مدى دعم حزبه لمثل هذا الاتفاق. وقالت الصحيفة إن الأميركيين يحاولون رسم خريطة ائتلافية جديدة لنتانياهو في حال انفرط عقد الحكومة الحالية التي يسيطر عليها اليمين المتطرف. وتابعت أن شبيرو ومكوفسكي أكدا لدرعي أن المفاوضات بين إسرائيل والسلطة تسير بجدية كبيرة، وأن الطرفين يبذلان جهوداً كبيرة لدفعها. ونقلت الصحيفة عن ديبلوماسيين إسرائيليين في اوروبا تحذيرهم من أن دول اوروبا ستحمّل إسرائيل المسؤولية في حال فشلت المفاوضات من دون التحقق في أسباب فشلها أو المسؤول فعلاً عن ذلك. وأضافوا انه في حال فشلت المفاوضات، فإن الاتحاد الأوروبي سيخرج من الدرج مبادرات مناوئة لإسرائيل لتشكل وسائل ضغط عليها، مثل تأشير منتجات المستوطنات، وتحذير رجال أعمال من الاتجّار مع هذه المستوطنات، وتقييد اتفاقات التعاون بين دول الاتحاد وإسرائيل، وإلغاء اتفاقات تعاون بين شركات أوروبية وشركات إسرائيلية تنشط في المستوطنات. وبحسب ديبلوماسي إسرائيلي، فإن ما تعرضت اليه إسرائيل في الفترة الأخيرة من بدايات مقاطعة أوروبية «ليس سوى السنونوة الأولى» قياساً بما سيحصل في حال فشلت المفاوضات، «وثمة تخوف لدينا من أن كل المبادرات للمقاطعة التي نجحنا في وقفها حتى اليوم لجباية ثمن منا، قد يصبح مبادرات رسمية من الاتحاد الأوروبي في حال فشل المفاوضات». وأشارت الصحيفة إلى أن الديبلوماسيين الإسرائيليين في اوروبا يتأهبون ل «تسونامي سياسي مناوئ لإسرائيل»، وأن الانطباع السائد لديهم هو أن كيري يعمل على تأجيج الموجة المعادية لإسرائيل، ويستخدمها وسيلة ضغط عليها «وهذا نوع من التهديد لدفعنا نحو الاتجاه الصحيح». وكشفت الصحيفة ان وزارة الخارجية الاميركية استأجرت 50 غرفة في أحد الفنادق الفاخرة في مدينة القدس ابتداء من منتصف كانون الثاني (يناير) المقبل. وأضاف ان مهاجمة كيري للرئيس محمود عباس ولنتانياهو تشير الى الاقتراب من مرحلة الحسم، وان عدداً كبيراً من طاقم المفاوضات المضخّم الذي يضم نحو 130 شخصاً يحيطون بكيري، سيغادرون واشنطن للاقامة في القدس مباشرة على الطريق المؤدي الى مكتب رئيس الحكومة الاسرائيلية. وكان مقرراً أن يصل الرئيس عباس إلى القاهرة امس للمشاركة في اجتماع وزراء الخارجية العرب، وليعرض عليهم تفاصيل اللقاءات مع الجانب الإسرائيلي والجهود الأميركية المبذولة، فيما يلتقي أيضاً اليوم الرئيس عدلي منصور. وكان الرئيس عباس استقبل اول من أمس في رام الله المبعوث الأميركي لعملية السلام مارتن إنديك.