واصلت السوق المالية السعودية نزفها النقطي الحاد، والمستمر منذ أسابيع عدة، بفعل تراجع أسعار النفط وتأثر أرباح بعض الشركات في الربع الثالث. وكسرت السوق المالية أمس حاجز الدعم القوي 9000 نقطة، وأقفلت التداولات عند النقطة 8.624، فاقدة 430 نقطة وبخسارة بلغت 4.76 في المئة، بقيادة قطاع البتروكيماويات الذي انخفض 9 في المئة. وعزا محللون ماليون ل«الحياة» ما تعرضت له السوق المالية إلى حال من الهلع اجتاحت المستثمرين والمضاربين، لغياب الشفافية والتصاريح من القيادات الاقتصادية المطمئنة للسوق، إذ يعيش المتعاملون حالاً من الضبابية خصوصاً ما يتعلق بأسعار النفط. وقال المحلل المالي محمد العمران إن السوق المالية تعيش منذ شهرين تحت وطأة الهبوط الحاد والمفاجئ لأسعار النفط، وأتى تفاعل السوق وترابطها مع هذا الهبوط بشكل قوي وبكل قطاعاتها، متجاهلة كل المعطيات الخارجية وحال الأسواق العالمية. وأوضح أن الصورة على المدى القصير تبدو سلبية، إلا أنها على المدى الطويل إيجابية للاقتصاد السعودي، موضحاً ذلك بقوله: «هبوط أسعار النفط أدى لإعدام النفط الصخري وكذلك النفط الرملي في كندا، وسيعطي أيضاً فرصة ممتازة للاقتصاد العالمي للتعافي والنمو خصوصاً في المجال الصناعي». وأكد العمران أن الفرصة لن تتكرر في الوقت الراهن أمام الشركات السعودية الكبرى العاملة في مجال النفط والبتروكيماويات لاقتناص فرص الاستحواذ على شركات النفط الصخري في العالم، التي ستتوقف عن الإنتاج في الوقت الراهن ونقل تقنياتها المتطورة للمملكة والاستفادة منها في المستقبل. وأشار العمران إلى التفاعل السريع الذي أبدته سوق الأسهم السعودية مع هذه المتغيرات، معتبراً أن هبوط القطاعات كافة حتى غير المرتبطة بالنفط يأتي لتأثير أسعاره في الاقتصاد الكلي للمملكة، على اعتبار أن 90 في المئة من الدخل السعودي قائم على الريع النفطي، مضيفاً: «وصول أسعار النفط إلى 65 دولاراً في نهاية الأمر سيعتبر نقطة دعم، كونه بحسب ما ذكرت تقارير اقتصادية يمثل كلفة استخراج النفط الصخري أو أقل، ولكن سيؤثر نشاطه في العديد من الدول الكبرى مثل أميركا وكندا، وكذلك لدول يكلف استخراج النفط لديها بين 55 و60 دولاراً مثل روسيا، والسيناريو المتوقع أن يتوقف الإنتاج». وأشار العمران إلى أن السوق تمر حالياً بمرحلة انعدام توازن وفقدان الثقة بسبب أسعار النفط، معتبراً الحديث عن توقف تأثيرات أسعار النفط على سوق الأسهم سابقاً لأوانه، مضيفاً: «نأمل بأن يتوقف هذا التأثير سريعاً، ولا بد أن تثبت أسعار النفط أولاً، لنتحدث عن مرحلة إعادة الثقة في السوق، ثم تستعيد خسائرها». وتوقع العمران أن تستغرق مرحلة عودة السوق لوضعها الطبيعي نحو 6 أشهر، وسيترنح خلال الفترة بين 8200 و9500 نقطة، معتبراً دخول المستثمرين الأجانب خلال هذه الفترة أمراً خاطئاً وسيتحول من «كرت جيد» إلى «محروق» بفعل ما تمر به السوق، مؤكداً أن تأجيل هذا القرار سيكون أجدى لحين الوصول لمرحلة التعافي. من جهته، قال الخبير الاقتصادي فضل البوعينين إن الانخفاض أتى كرد فعل لهبوط أسعار النفط وخصوصاً لقطاع البتروكيماويات، معتبراً رد الفعل مبالغاً به كثيراً ولا يستحق كل هذا الانخفاض، مستغرباً غياب التصاريح الإعلامية المطمئنة للمتعاملين، مضيفاً: «أستغرب أن تصاريح وزير البترول والثروة المعدنية دائماً ما توجه للخارج، فيما لا يتحدث للداخل السعودي ولا يوضح تأثيرات ذلك في السوق الداخلية». واعتبر البوعينين أن السوق بحاجة إلى تحرك عاجل من القيادات الاقتصادية وتحرك حكومي عاجل لبث الطمأنة وبث رسائل تنويرية للمتعاملين، مضيفاً: «هناك ضبابية بالموقف وعدم فهم لدى المستثمرين عن الانخفاض، بسبب إحجام المسؤولين عن بث التصاريح ورأي الدولة بما يحدث في الوقت الراهن تجاه أسعار النفط، وتأثيراته في الموازنة المقبلة والموازنات المستقبلية، والحديث عن المؤثرات الاقتصادية على المملكة في المستويين القريب وبعيد المدى كي لا يستمر هذا الهلع». وافترض البوعينين أن المستثمرين على دراية بالتصاريح الإيجابية التي تصدر بين فينة وأخرى، مثلما تحدث الرئيس التنفيذي لشركة سابك عن مدى تأثير انخفاض أسعار النفط، الذي سيكون على المدى المتوسط وقدرة الشركات الكبرى في المملكة على مواجهة هذه الانخفاضات، مؤكداً أنه على المتعاملين وجوب تقبل الوضع الراهن والتأني في اتخاذ القرارات. وحول الهبوط القوي في أسهم شركات قطاع الاتصالات، قال البوعينين إن قطاع الاتصالات يعتبر من أسوأ قطاعات السوق من جهة الإفصاح والشفافية، معتبراً كل شركات القطاع بدءاً بالاتصالات السعودية ثم موبايلي وزين وعذيب مرت بمراحل سوء في النتائج ومشكلات بالإفصاح، وكذلك شركة المتكاملة التي تم إيقاف تداول أسهمها، مبيناً أن شركة زين التي تتعرض لأزمة عاصفة في الوقت الراهن تحاول جاهدة إطفاء خسائرها، وكذلك ما مرت به شركة موبايلي أخيراً من مشكلات مالية أدت إلى كف يد رئيسها التنفيذي. وأضاف البوعينين: «كنا نعتقد أن الجمعيات العمومية قادرة على أخذ زمام المبادرة، لنتفاجأ بأنها كانت لا تفعل شيئاً بعد ظهور المشكلات المالية، وأيضاً الجهات المسؤولة مطلوب منها التدخل لإيقاف تلك الأخطاء». واعتبر البوعينين أن إحدى كبرى مشكلات الشركات المدرجة هي تداخل أعمال الجهات المسؤولة، إذ تأخر نظام الشركات لأكثر من 25 عاماً وهو قيد النظر، وبذلك إن فكرت وزارة التجارة بحل مجلس إدارة شركة من الشركات فستتوقف عاجزة، لأن ذلك أصبح بيد هيئة السوق المالية، على رغم أنه حق أصيل لوزارة التجارة، مطالباً بتوضيح الصلاحيات بين كل جهة.