سعى نظام الحكم في مصر إلى تمرير تبعات تبرئة الرئيس السابق حسني مبارك ورجاله من تهمة قتل المتظاهرين، بأقل كلفة ممكنة، وإن وسعت الأحكام الفجوة بين الحكم وقوى محسوبة على الثورة، وأظهرت أن الاستقرار الذي يسعى الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى ترسيخه لا يزال هشاً. (للمزيد) واندلعت تظاهرات رافضة لتبرئة مبارك ورجاله في جامعات عدة، غداة سقوط قتيلين وجرح 13 شخصاً في اشتباكات بين الشرطة ومتظاهرين ضد الأحكام القضائية على أطراف ميدان التحرير الذي أغلقته قوات الجيش. وردد متظاهرون غير إسلاميين الهتاف الشهير: «الشعب يريد إسقاط النظام»، للمرة الأولى منذ وصول السيسي إلى الحكم. وتظاهر مئات الطلاب في جامعات أبرزها القاهرة والإسكندرية والزقازيق، واقتحمت الشرطة الجامعات لفض الاحتجاجات، فيما انتقدت أحزاب كانت أيدت عزل الرئيس السابق محمد مرسي، أحكام البراءة في شدة. ورأى حزب «الدستور» أن براءة مبارك ورجاله «تأكيد أن محاكمتهم كانت يجب ألا تكون أمام محاكم جنائية عادية». وقال في بيان: «منذ بداية المحاكمة في نهاية العام 2011، شكت النيابة العامة من عدم تعاون الأجهزة الأمنية المختصة في تقديم الأدلة اللازمة التي تؤكد إدانة المتهمين في قتل مئات الشهداء». وأضاف أن «المحاكم لم تكن قادرة على القيام بمهماتها من الأساس نتيجة لإخفاء وطمس أدلة وعدم قدرة القانون الجنائي العادي على التعامل مع جرائم مبارك». وأعلن أنه «سينسّق مع القوى السياسية والخبراء القانونيين لملاحقة مبارك ومحاسبته عن الجرائم التي ارتكبها بحق المصريين على مدى ثلاثين عاماً قضاها في الحكم من طريق القمع وتزوير الانتخابات». وانتقد رئيس حزب «مصر القوية» الإسلامي عبدالمنعم أبو الفتوح الأحكام. وقال إنها «يجب أن تكون بداية مرحلة جديدة من النضال». وأضاف في تغريدة على «تويتر» أن «حكم براءة مبارك يجب أن يكون بداية مرحلة جديدة من التعلم من أخطائنا كلنا... لن يتغير حكم الشعب والتاريخ على مبارك ورجاله بأنهم فسدة وقتلة». وسعى السيسي إلى تخفيف حدة الغضب، فأصدر بياناً مساء أمس قال فيه إن بلاده «تتطلع نحو المستقبل، ولا يمكن أن تعود أبداً إلى الوراء». لكنه شدد على أنه «لا يجوز التعقيب على أحكام القضاء، إعمالاً لاستقلال القضاء ومبدأ الفصل بين السلطات، وتأكيداً للثقة الكاملة في عدالة قضاة مصر ونزاهتهم وحيدتهم وكفاءتهم المهنية». وأشار بيان رئاسي إلى أن السيسي كلّف رئيس الوزراء إبراهيم محلب ب «اتخاذ الإجراءات اللازمة كافة لمراجعة الموقف بالنسبة إلى تعويضات ورعاية أسر شهداء ومصابي الثورة الذين قدموا حياتهم من أجل رفعة هذا الوطن». كما كلف لجنة الإصلاح التشريعي «بدراسة التعديلات التشريعية على قانون الإجراءات الجنائية الذي كانت المحكمة عزت إلى بعض مواده «انقضاء الدعوى الجنائية» في شأن اتهام مبارك ونجليه علاء وجمال بالفساد لمضي مهلة التقاضي. وكان رئيس المحكمة محمود كامل الرشيدي طالب المشرع بتعديل القانون «حتى تبسط العدالة سلطانها على كل صور الرشى للموظف العام أو المتاجر بنفوذ حقيقي أو وهمي، وألا يفلت الموظف العام من جرائم الفساد بمقتضى المادة المسقطة للدعوى الجنائية». وحرص السيسي على التأكيد في بيانه أن «مصر الجديدة التي تمخضت عن ثورتي 25 يناير و30 يونيو، ماضية في طريقها نحو تأسيس دولة ديموقراطية حديثة قائمة على العدل والحرية والمساواة ومحاربة الفساد، تتطلع نحو المستقبل ولا يمكن أن تعود أبداً إلى الوراء».