دخلت رند صباح بابتسامة هادئة إلى المكان وألقت التحية قبل أن تبلغ موظف الاستعلامات إن لديها موعداً مع المستشار في المنظمة ومدير المشروع يتعلق بالإعلان الذي نشر في إحدى الصحف المحلية حول طلبات التوظيف. الموظف أشار اليها بالدخول فوراً ومن دون أي عوائق وكل ما فعله هو السؤال عن اسمها ليبلغ المعنيين بأنها موجودة. وبعد ثوان أشار اليها بالدخول إلى غرفة المقابلات من دون أن يهتم بشخصية الرجل الذي رافقها، لكن القائمين على المقابلة قدموا أسماءهم لها وقدمت هي نفسها لهم قبل ان تلاحظ نظرات الاستغراب من وجود شخص برفقتها فأشارت إلى يمينها وقالت «زوجي». لجنة المقابلات طلبت من الزوج الانتظار في الخارج لحين إتمام المقابلة مع الفتاة التي تقدمت للعمل لكنهم في الحقيقة حسموا أمرهم واعتبروها غير مناسبة للوظيفة حتى قبل بدء المقابلة. لكن رند ليست الوحيدة التي يصرّ زوجها على مرافقتها في مقابلات العمل. فالكثيرات من الشابات في العراق لا يستطعن العمل في أية وظيفة من دون حضور الزوج المقابلة التي تتم لأغراض التعيين مع الشركات والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية التي كثرت في الآونة الأخيرة، بل إن رأي الزوج بالمكان والأشخاص العاملين في المكان هو الذي يحدد موافقة الفتاة على العمل من عدمها. وتقول رند: «عندما أرسلت سيرتي الذاتية كانت مطابقة تماماً للشروط التي طلبتها المنظمة في المشروع، وحدد المسؤولون لي مقابلة بعد يومين من التقديم لكنهم رفضوني بعد المقابلة ولم يتصلوا بي». وتضيف: «عدت إلى المنظمة بعد اسبوعين للاستفسار فأخبرتني إحدى الموظفات أنهم وظفوا غيري والسبب هو مرافقة زوجي لي أثناء المقابلة، فهم يعتقدون إنني غير قادرة على تحمل المسؤولية طالما حضرت المقابلة برفقته لكن الحقيقة هو انه اشترط عليّ حضور المقابلة ليوافق على عملي». وتوضح بحسرة انها «ليست المرة الوحيدة التي يفعلها ويبدو انني لن اتمكن من الحصول على عمل طالما بقيّ هذا الشرط قائماً». وتبدو المنظمات الدولية والمؤسسات الأجنبية التي تعمل في العراق أكثر تحسساً من مرافقة الزوج لزوجته في مقابلات العمل على خلاف الشركات المحلية التي لا ترى ضيراً في الأمر وتعتبره شيئاً مألوفاً. سمر جمال لديها هي أيضاً قصة مع التوظيف في إحدى المنظمات الأجنبية التي تعمل في مجال دعم المرأة وتمكينها، وتقول: «اشترط زوجي حضور المقابلة وأخذ فكرة عن المكان والأشخاص الذين سأكون على احتكاك دائم معهم كي يسمح لي بالعمل، لكن موافقتي على شرطه أتت بنتائج سلبية وخسرت الوظيفة». وتضيف: «المدير أخبرني بصراحة أنه سبق وعيّن فتاة حضرت مع أبيها وحينما تأخرت في يوم ما في العمل ساعتين فقط طلبت من المؤسسة إيصالها إلى المنزل لأن والدها غاضب جداً ولذلك رفض تعييني بعدما صارحني بالأمر، فزوجي بالتأكيد لن يسكت عن تأخري لو فعلتها يوماً». وتفضّل الشركات الخاصة والمنظمات الأجنبية وحتى بعض المحلية منها الموظفات العازبات لأنهن لن يطالبن بإجازات إضافية إلا في حالات نادرة على النقيض من المتزوجات اللواتي غالباً ما يحتجن إلى عطّل إضافية وإجازات زمنية لأخذ الأطفال من المدرسة أو الى الطبيب أو المغادرة باكراً لإعداد الوجبات. وعلى رغم إن الحالات الإنسانية تستدعي مثل هذه الإجازات لكن المديرين يتذمرون ويفضلون تشغيل العازبات. ويقول أمجد صلاح أحد الشباب العاميلن مع شركة للسفر والسياحة في البياع إن إحدى زميلاته «كانت من أفضل العاملات في الشركة وكانت تحصل على مكافآت دائمة بسبب نشاطها لكنها فجأة تغيرت بعد الزواج لأن مسؤولياتها باتت مضاعفة». ويضيف:»المشكلة أن زوجها كان يأتي إلى الشركة في شكل دائم وكانت تخرج قبل انتهاء الدوام حتى اضطر المدير إلى استبدالها».