عاش اللبنانيون امس، على وقع حدثين اولهما يطلق البحث عن عدالة منتظرة منذ تسع سنوات يجري في لاهاي، وآخر يكرس مخاوفهم المتواصلة من موت يفاجئهم في بيوتهم وعلى الطرق من خلال التفجير الذي وقع في مدينة الهرمل البقاعية. وليس هناك مكان افضل من رصد مشاعر اللبنانيين تجاه الحدثين من الطريق الجديدة في بيروت وضاحية بيروت الجنوبية. يعتبر اهالي منطقة الطريق الجديدة انهم «ام الصبي»، من خلال نزولهم اليومي الى ساحة الشهداء منذ لحظة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وحتى لحظة الاعلان عن انشاء المحكمة، تسمروا منذ الصباح امام شاشات التلفزة في المنازل والدكاكين والمحال التجارية لمتابعة اولى جلساتها، وتراوحت مشاعرهم بين الترقب والخوف، خصوصاً ان الحدث ترافق مع حدث دموي تمثل بالتفجير الذي هز مدينة الهرمل وأدى الى مقتل وجرح عشرات المواطنين. قال صاحب محل للصيرفة في محيط الملعب البلدي ويدعى مازن، وهو يتابع جلسة افتتاح المحكمة من خلال شاشة تلفزيون صغير ثبّته على مكتبه انه كان يتوقع «حدوث انفجار لكن في بيروت وليس في الهرمل لتشتيت الأنظار عن حدث المحكمة الدولية». ورأى ان ما يعرض من على قوس المحكمة حتى الآن «معلومات مظبوطة لكن لا اعتقد انهم سيصلون الى نتيجة، وإن فعلوا من يسلم المتهمين؟ من يعرفهم بالاصل فالصور التي نشرت لهم تعود الى اكثر من عشر سنوات الى الوراء وقد يكونون بيننا ولا يمكننا التعرف اليهم، في كل الاحوال اتكالنا على الله». وأمام محل لبيع الألبسة النسائية جلست سيدتان ترتشفان القهوة، وعبرت احداهما عن «حال القرف التي نعيشها، بت اقلق من كل يوم خميس او جمعة وخصوصاً عند الصلاة وأتوقع انفجارات، لا اتابع ما يجري في المحكمة لأن اعصابي لا تحمل، سأنتظر الى المساء وأرى ملخصاً في نشرات الأخبار او اقرأ عنها في صحف الغد، وفي كل الاحوال الدنيا دولاب والمحكمة ستظهر الحقيقة كما اتمنى، وهم حاولوا ان يلهونا اليوم عنها بانفجار آخر. ما هذه العيشة كل الوقت نضع قلوبنا على اكفنا وكما ترون حال ركود في الاسواق وأولادنا في الغربة وماذا بعد؟». وقالت هبة وهي ايضاً موظفة في محل لبيع الهدايا والالعاب ان ما تراه على شاشات التلفزة توصيف لما جرى في ذلك اليوم المشؤوم، لكنها تتوجس مما قد تتوصل اليه المحكمة ومما قد يرافق ذلك من تفجيرات على غرار انفجار الهرمل». في مقهى صغير جلس رجال يتسامرون حول فناجين قهوة لكنهم رفضوا التحدث ب «السياسة» امتثالاً للافتة وضعها صاحب المقهى كتب عليها «لا تسأل شو في لأني ما بعرف»، لكن في دكان ملاصق جلس الحاج محمد امام الشاشة والى جانبه النارجيلة ينفث دخانها في دكانة السمانة التي يملكها، ويكرر القول: الله يعيننا، نتطلع الى ربطة الخبز لنطعم اولادنا ولا نتوقع شيئاً لأن بلدنا بلد المفاجآت». وفي محل مجاور يتكرر المشهد نفسه في محل لبيع حقائب السفر، ويقول الرجل الذي رفض ذكر اسمه ان ما يعرضه القضاة هو سرد لوقائع نعرف معظمها، والمحكمة حق لكل انسان، انا ممن كانوا ينزلون الى ساحة الشهداء كل يوم وما يحصل اليوم هو إحقاق للحق، اللهم لا تكون المحكمة متحيزة او مسيسة، نحن اناس مجروحون والانفجار الذي حصل اليوم طاول الناس الابرياء، حرام ما يحصل، انظري كيف ان الشوارع خالية من الناس، كلنا يا ابنتي عالقون في الفخ نفسه، لكن مهما حاولوا لن تحصل فتنة سنية - شيعية ابداً». وقال رجل متقاعد رفض الكشف عن هويته، جلس مع صديق له امام محل لبيع المناقيش، انه كان يعمل في المحاكم سابقاً ولا يتابع المحكمة لأنه مل المحاكم و «الاخذ والعطاء فيها». لكنه سينتظر النتيجة ويأمل ب «ظهور الحقيقة ليتوقف القتل بالبلد»، معتبراً تعليقاً على انفجار الهرمل ان «دماء اللبنانيين صارت رخيصة علماً ان الله حرم قتل النفس». بعض الناس لا يتابع المحكمة لأن «الكهرباء مقطوعة» وآخرون يواصلون أشغالهم ويكتفون بالتعليق على الانفجار بالتمني لو ان «حزب الله» ينسحب من سورية ويريح الناس ويرحمهم». وفي بعض المحال التجارية موظفون سوريون وهم بدورهم كانوا يتابعون مسار المحكمة وقال محمد ان متابعته مردها تمنياته بأن تحصل محاكمات مماثلة لمجرمي الحرب في بلاده. وفي الضاحية الجنوبية لبيروت حجب التفجير الانتحاري الذي ضرب الهرمل البقاعية والتي تعتبر خزان المقاومة ويطلق عليها «مدينة الشهداء»، في اشارة الى العدد الكبير من ابنائها الذين سقطوا اثناء مقاومة اسرائيل، وبعضهم سقط اخيراً في الحرب الدائرة في سورية. حجب هذا التفجير الضوء عن وقائع سير المحكمة الدولية التي كانت تبث مباشرة على شاشات التلفزة. وتعاطى كثر من ابناء المنطقة التي تعد معقلا ل «حزب الله» مع مجرياتها بكثير من اللامبالاة إلا ما ندر راسمين صورة قاتمة لما سيؤول اليه البلد من فتن ما لم تكن الأدلة قاطعة وفضلوا عدم التعليق بانتظار الحكم النهائي وما قد يتكشف من أدلة قيل أنها غير قابلة للشك، إذ أن ما سبق من تسريبات دلّ على أن التهم مفبركة والحكم صدر على جهة معينة قبل تشكيل المحكمة. يقول عباس محسن الذي تسمر أمام التلفاز داخل محل للصيرفة في برج البراجنة متسقطاً ما تنقله الشاشة تارة عن وقائع جلسات المحكمة وتارة اخرى عما يرد من مشاهد مصورة عما خلفه التفجير: «اذا ارادوا البحث عن الحقيقة فهي واضحة». ويضيف ل «الحياة» سائلاً: «من المستفيد من اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري أليست إسرائيل وأدواتها من التكفيريين؟. ويشير الى ان «قوى 14 آذار وجمهورها المغرر بهم لو اتى نتانياهو وقال نحن من نفذ عملية الاغتيال فلن يصدقوا لأن الاتهام صوب من الخارج وعن سابق اصرار وتصميم نحو المقاومة التي حررت الارض ويريدون تدفيعها ثمن قهرها لإسرائيل»، ويخلص الى القول: «اليس ما جرى اليوم في الهرمل دليل على ان الكل مستهدف وليست جهة بعينها». اما س. برو الذي استوى في زاوية من محله المخصص لتصليح الساعات وهو يتابع الحدثين معاً فيقول: «استمعت لبعض المعطيات التي أوردها الادعاء فلم ار جديداً فيها». ويتابع: «الأدلة حتى الآن ليست قاطعة. وما نخشاه هو ان تفضي خلاصتها الى احداث فتنة لا الى وقائع ملموسة، وما نشهده من تفجيرات واستعار في الشحن المذهبي الا مقدمة لدفع الناس كرهاً اليها. منْ منَ اللبنانيين لا يريد الحقيقة. لكن حين استمعنا اليوم الى احد المحللين على شاشة «المستقبل» يقر بأن كل معطيات المحكمة سربت الينا وتفاصيلها كانت تصلنا تباعاً، فهل هذا يوصلنا الى الذين ارتكبوا فعلاً هذه الجريمة التي نعيش تداعياتها منذ تسع سنوات. ان ما نراه لا يطمئن». وفيما تأمل (نادين. ع) ان «تصل العدالة وبعد طول انتظار الى المجرمين لعل البلد يرتاح من كل المشاكل، ومما خلفته هذه الجريمة من تداعيات وانقسامات حادة بين اللبنانيين وحتى ضمن الطائفة والمذهب الواحد». يشاركها (نبيل. م) صاحب محل للملبوسات تعمل لديه نادين امنيتها في «الوصول الى الحقيقة». نبيل الذي آثر التعريف عن اسمه الاول دون الافصاح عن عائلته الذي يرمز اليها باسم آخر، مع تمني عدم ذكر المحلة كونه من غير سكانها ومعروف لدى ابناء المنطقة. يؤكد «ان لا احد يكره الحقيقة. نأمل بأن تكون المعلومات التي توافرت لدى المحققين وتسنى لي الاستماع الى بعض منها في البيت، صحيحة، وكل واحد يصل الى حقه». ويضيف نبيل الذي بدا متحسراً وهو جالس على كرسي امام محله شابكاً يديه على صدره: «كنت امل متابعة ما يرد من قاضي الادعاء من معطيات حول الجريمة. لكن كما ترى الكهرباء خذلتنا. لننتظر الى ما ستخلص اليه المحكمة من نتائج نرجو ان تكون دامغة». «لا احد ضد العدالة، وان شاء الله لا تكون مسيسة ولأغراض اجنبية» يقول. الا انه يستدرك قائلاً: «لكن الشيخ رفيق كل لبنان بحبه. واللي عملو للبنان ما حدا عملو. قدم للبنان كتير (كثيراً). لكن اللي عملوه فيه أكتر. القصة يبدو طويلة».