دلالات عظيمة ليوم العلم    1.6 مليون مقعد في قطار الحرمين لنقل المعتمرين    «موسم الرياض».. حضور إعلامي عالمي    بخبرات سعودية وتقنيات مبتكرة.. إنتاج الزعفران خلال 10 أيام    5 شهداء برصاص الاحتلال والمعابر مغلقة لليوم العاشر.. غزة.. ظروف معيشية قاتلة تدفع لمجاعة حتمية    مسؤولون: محادثات جدة بناءة للغاية    بتوجيه من سمو ولي العهد.. المملكة تستضيف محادثات أمريكية- أوكرانية في جدة    بعد تغلبهما على الريان وباختاكور.. الأهلي والهلال إلى ربع نهائي النخبة الآسيوية    أشادتا في بيان مشترك بمتانة الروابط وأهمية تنمية التبادل التجاري.. السعودية وأوكرانيا تستعرضان جهود تحقيق السلام الشامل    في إياب ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا.. صراع مدريد يتجدد.. وأرسنال في مهمة سهلة    نظام الفصول الدراسية الثلاثة.. الإيجابيات والسلبيات على المجتمع والاقتصاد    إلغاء تفويض مديري التعليم بتمديد خدمة المحالين للتقاعد    رحّب بالمحادثات بين واشنطن وكييف.. مجلس الوزراء: السعودية حريصة على دعم جهود حل الأزمة في أوكرانيا    «الداخلية» تزين «طريق مكة» بالجائزة المرموقة    هل يوجد تلازم بين الأدب والفقر؟    وزير الإعلام يُكرّم الفريق المنفذ لأول عملية زراعة قلب باستخدام الروبوت في العالم    6 إستراتيجيات أمريكية ضد عصابات المخدرات في المكسيك    رمز الشموخ والعزة    الأولمبية والبارالمبية السعودية تعتمد تشكيل مجالس إدارة 24 اتحاداً ولجنة ومركز التحكيم الرياضي    إطلاق برنامج "الشيك مع بوعبدالله" بجوائز قيّمة في رمضان    أمير القصيم يزور دار الرعاية الاجتماعية للمسنين في عنيزة    محرز يسجل ثنائية في فوز الأهلي على الريان    %338 نموا بمشتركي الصناديق الاستثمارية    أبوالغيط يثُمن دور المملكة في استضافة المحادثات الأمريكية الأوكرانية    وزير الدفاع يستقبل وزير الدفاع التركي    العلم السعودي.. حكاية تاريخية ودلالة وطنية    وكيل محافظة الطائف يشارك أبناء جمعية اليقظة الخيرية الإفطار الرمضاني    مؤسسة الأميرة العنود تنظم ندوة "الأمير محمد بن فهد – المآثر والإرث" برعاية و حضور الأمير تركي بن محمد بن فهد    إفطار جماعي ومد لجسور التواصل    السلمي والدباغ يزوران غرفة عمليات أجاويد ٣ بخميس مشيط    في يوم العلم السعودي طرق وميادين الطائف تتوشّح باللون الأخضر    بلدية محافظة الشماسية تحتفي بيوم العلم السعودي    جامعة أم القرى تنظم مأدبة إفطار رمضانية للطلاب الدوليين بالتزامن مع يوم العلم    شارع الأعشى والسير على خطى محفوظ    بناء الجسور بين المذاهب من الحوار إلى التطبيق    الهلال يتخطى عقبة باختاكور في دوري أبطال آسيا للنخبة    «كفو».. خارطة طريق لتسويق الأفلام الدرامية    انطلاق المنتدى الثقافي بأدبي حائل    صِدّ عنه وكأنك ماشفته!!    الفعاليات الرمضانية تشعل التنافس بين حواري بيش    2100 طالب في خدمة المحسن الصغير    7 أهداف تدخل العميد دوامة العثرات    مدير عام حرس الحدود يتفقد القطاعات والوحدات البرية والبحرية بمنطقة جازان    وجبات للإفطار بمسجد القبلتين بإشراف هيئة تطوير    النواخذة لقلب الطاولة أمام دهوك    ترحيب خليجي باتفاق الاندماج    نائب أمير الرياض يطّلع على جهود وأعمال "الأمر بالمعروف"    شوارع وميادين مناطق المملكة تتزين بالأعلام احتفاء بيوم العلم    «صم بصحة» واحصل على جودة حياة    زيلينسكي يطلب من واشنطن إقناع روسيا بهدنة ال 30 يوما    العلم السعودي .. راية التوحيد.. رمز العز والفخر    أمير تبوك يستقبل رئيس مجلس بلدية معان بالمملكة الأردنية الهاشمية    قطاع ومستشفى سراة عبيدة يُفعّل حملة "صُم بصحة" وحملة "جود"    "الحواسي" يستعرض مع قيادات تجمع القصيم الصحي فرص التحسين والتطوير    فخامة رئيس جمهورية أوكرانيا يغادر جدة    لتكن خيرًا لأهلك كما أوصى نبي الرحمة    "البصيلي": يلقي درسًا علميًا في رحاب المسجد الحرام    المكملات الغذائية تصطدم بالمخاطر الصحية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الخانكة» مأوى مطلقات وأرامل في شمال لبنان
نشر في الحياة يوم 16 - 01 - 2014

لا يتذكرن متى دخلن إليه. ربما لو استعادت كل منهن الزمن الذي تسرّب من بين يديها كالهواء لتوقفت أمام محطات أخرى في حياتها، إنجاب أول طفل، أو تاريخ زواج أو صور تحتفظ بها كشيء ثمين ل «أيام عز» آفلة. ذكريات لملمنها على عجل من بيوت تركنها على غفلة، بعد موت زوج أو طرد ابن أو كنّة، من دون أن يتوقفن أمام عيشهن في غرف «الخانكة».
لا يعرف سكان طرابلس (شمال لبنان) الكثير عن هذا المبنى المملوكي الذي تظلل باحته شجرة برتقال معمرة. وتتوزع من حوله بيوت ضيقة لعائلات محرومة. وتحت قبوة حجرية محفور عليها اسم الخانكة (أي الخان في اللغة التركية) باب يفضي إلى باحة إسمنتية تتوسطها بئر ماء تُستخدم في جلي الصحون وغسيل الثياب وحولها مناشر تعلّق عليها ملابس مبلولة لست نساء غالبيتهن مطلقات أرامل، يسكنّ في غرف متوسطة الحجم. هي مساحتهن الوحيدة، في النوم والطعام والبكاء. ويجمعهن عيش بائس في مكان لا تتوافر فيه أدنى شروط العيش.
تمضي سعاد صباحاتها مستلقية أمام غرفتها الضيقة، مستعيدة لحظات زواجها الأول ومتحسرة على ما آلت إليه حياتها من بؤس. كل واحدة في عالمها. مستكينة لدخان سيجارتها المسربل بهدوء أمام ملامح وجهها الحزين. لو تعود بها الأيام إلى خمس سنوات مضت لاستطاعت أن تقيم علاقات جيدة معهن، تقول: «لا يمكن أن أئتمن أي واحدة على أسراري وحياتي».
هي الأرملة الثانية بعد نوال. دخلت «الخانكة» منذ ست سنوات، ولم تغادره. وجدت عملاً في محل للحلويات الشعبية وتقبض 400 ألف ليرة (270 دولاراً) وتأتي متأخرة إلى غرفتها: «أطهو طبخة صغيرة ثم أنام. لدي يوم واحد للعطلة، أقضيه مستمتعة في جلستي هذه أمام باب غرفتي».
لا طموح هنا
حياة سعاد مختلفة عن حياة جاراتها. هي أكثر تحرراً منهن. فجارتها «أم أحمد» تستيقظ فجراً لتؤمن ل «بسطة» القهوة التي تديرها في التل (وسط المدينة) حاجاتها من القهوة المغلية الفنجان ب250 ليرة لبنانية. تعمل لحساب إخوتها الذين لا يصرفون عليها سوى ما تنتجه فقط. تتقاضى 10 آلاف ليرة يومياً. تقول: «لا أطمح للكثير. أستطيع أن أشتري بها طعامي وتنباك نرجيلتي التي هي منفذي الوحيد للتنفس من ضغط الحياة»، وتضيف: «سيدة مثلي مات زوجها وأولادها رموها هنا بماذا تحلم؟ أريد السترة قبل أن أنقل إلى القبر».
وحدها «أم جلال» التي تطلق على نفسها لقب «السلطانة»، تحكي قصتها بثقة. تتربع وسط غرفتها الضيقة، تعرض أوراقاً قديمة مخصصة لدعاوى بحثاً عن منزل، تقول إنها فقدته أثناء أحداث مجزرة التبانة عام 1986 التي حصلت بين أهالي منطقتي التبانة وجبل محسن.
«مجنونة» الخانكة
يختلط الواقع بالخيال في قصتها. تحكي وكأنها تهذي. تعرض على سامعها كوب شاي وتخبر عن أولادها الذين هجروا البلد وتركوها في هذه الغرفة. تتجنّب جاراتها الحديث إليها وهن يشرن إلى أنها «مجنونة».
تحكي عن رجال كثر عاشوا معها. عن بيوت تنقلت فيها وسكنتها هانئة. ثم تهدأ كأنها حوصرت فجأة. تدمع عيناها، وتقول: «أنا هنا ماذا سيتغير؟ أولادي لا أعرف عنهم شيئاً. لا أفعل أي شيء. يرسل لي بعض المحسنين مالاً وطعاماً كي أبقى على قيد الحياة».
نظرات شاردة ترميها كل واحدة على غرف متجاورة، كأنهن متواطئات بصمت خفر ولا يتوقعن أي جديد، وحدهم زوار مثلنا يأتون بلا مواعيد مسبقة.
بعضهن يتذكر متى دخل إلى هنا، وبعضهن لا، لكن المشترك بين الجميع على ما يبدو، أن الخروج من الخانكة يودي إلى وجهة واحدة في الغالب: القبر.
خزان أحزان
الخانكة هي مرفق مملوكي أثري ممتد ضمن طرابلس القديمة، لكن يعاني اليوم واقعاً مأسوياً بفعل الحرمان والإهمال اللذين يلفانه من جوانبه كلها ويجعلانه عرضة للتصدّع والانهيار.
ويشير أحد المكلفين من «دائرة الأوقاف»، إدارة شؤون الخانكة، إلى الحرمان الكبير الذي تعاني منه هذه الدار، وضرورة العمل على ترميمها قبل تفاقم المشكلة، لافتاً إلى أن «مسؤولية دائرة الأوقاف تقتصر على توفير مكان الإقامة، وهناك جمعيات تقدمّ مساعدات بين وقت وآخر إلى النساء اللواتي يقمن فيه».
في هذه الدار النسوة لا يدفعن بدل إيجار ولا فواتير ماء أو كهرباء. لكن لا يملكن عملاً دائماً، ولا يتوافر لهنّ ما يكفيهن من مال حتى يطعمن أنفسهن، ولا يستطعن أيضاً أن يضعن لمبة (مصباح) اشتراك واحدة. لهذا، فهن يقضين لياليهن الحالكة على ضوء الشموع، إن توافر ثمنها. وفي معظم لياليهن ينمن على لحم بطونهن. يأتيهن بعض التقديمات لمناسبة الأعياد أو في حال أحبّ أحدهم التبرّع من زكاة أو فطرة (زكاة العيد) أو تقديمات إنسانية أخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.