يتوجه الناخبون في مصر اليوم إلى لجان الاقتراع للاستفتاء على مشروع الدستور المعدّل، في أول استحقاق انتخابي لخريطة الطريق التي أعلنت عقب عزل الرئيس السابق محمد مرسي، وسط رهان من الحكم على تأمين نسبة مشاركة مرتفعة في مقابل رهان «الإخوان المسلمين» وحلفائهم على رواج دعوتهم إلى المقاطعة. وأنهت السلطات أمس الاستعدادات لاستقبال نحو 53 مليون ناخب في الاستفتاء الذي يجرى اليوم وغداً في أكثر من 30 ألف لجنة اقتراع، فيما أظهرت نتائج غير رسمية لاقتراع المغتربين الذي انتهى أول من أمس تأييداً كبيراً للمشروع تجاوز 90 في المئة، وإن بقيت نسبة المشاركة ضعيفة عند حدود 15 في المئة بسبب إلغاء التصويت بالبريد. وصوّت في الخارج 103 آلاف من أصل 681 ألف ناخب. وأقر الناطق باسم اللجنة القضائية المشرفة على الاستحقاق بانخفاض المشاركة، عازياً ذلك إلى إلغاء التصويت بالبريد، وهو ما أقر به أيضاً الناطق باسم وزارة الخارجية بدر عبدالعاطي الذي أوضح أن «التصويت بالبريد كان يمثل نحو 60 في المئة من المشاركين في الاستحقاقات السابقة». لكنه دافع عن القرار «لما شاب التصويت بالبريد من سلبيات». ودفع الجيش والشرطة بنحو 400 ألف ضابط وجندي لتأمين لجان الاقتراع، فيما خصصت القوات المسلحة طائرات عسكرية لنقل أكثر من 14 ألف قاضٍ مشرفين على الاستفتاء في المناطق النائية والمنعزلة في محافظات سوهاج وقنا والأقصر وأسوان والبحر الأحمر والوادي الجديد وشمال سيناء وجنوبها، وفقاً لبيان عسكري. وراجع وزير الداخلية محمد إبراهيم استعدادات قوات الأمن المركزي، قبل أن يجتمع بمساعديه، متعهداً «التعامل بمنتهى الحزم والحسم مع أي مظهر من مظاهر الخروج على القانون». وشدد على أن «يد الأمن حازمة وقوية في مواجهة المؤامرات والهجمة الشرسة التي يتعرض لها الوطن داخلياً وخارجياً». وشدد على «ضرورة إحكام الرقابة على الطرق المؤدية إلى مقار اللجان والمباني المطلة عليها». وشهد رئيس أركان الجيش الفريق صدقي صبحي عرضاً للقوات الخاصة والصاعقة والمظلات والشرطة العسكرية ووحدات من الأمن المركزي والحماية المدنية والقوات الجوية تضمن التدريب على أساليب تأمين اللجان وأعمال فض الشغب والتظاهرات ومحاولات تعطيل الاستفتاء والمشاكل الطارئة. وتعهد مسؤول عسكري تحدث إلى «الحياة» إظهار القوات «مدى صرامة وقوة الإجراءات التأمينية خلال إدلاء الناخبين بأصواتهم»، مؤكداً أن قوات الجيش والشرطة «أتمتا الاستعداد غير العادي لتأمين الاستفتاء والشارع المصري بكل قوة»، داعياً المصريين إلى «القيام بدورهم والتوجه إلى صناديق الاقتراع». وعقدت اللجنة القضائية المشرفة على الاستفتاء مؤتمراً صحافياً لشرح آخر استعدادات الاستفتاء. وأوضح الناطق باسم اللجنة القاضي هشام مختار أنها «وضعت ضوابط دقيقة لضمان عدم تكرار التصويت في اللجان المخصصة للوافدين في غير محافظاتهم المقيدين فيها انتخابياً، في مقدمها ربط تلك اللجان إلكترونياً في منظومة مغلقة بحيث يتم تسجيل كل بيانات الناخب إلكترونياً وإثبات قيامه بالإدلاء بصوته في إحدى تلك اللجان، ومن ثم غلق التصويت بالنسبة إليه مجدداً». ولفت إلى أن «مجرد الشروع في محاولة الإدلاء بالصوت مرة ثانية يعاقب عليه القانون بالسجن بمقتضى التعديلات التي أدخلت أخيراً على قانون مباشرة الحقوق السياسية، والتي جعلت جريمة تكرار التصويت جناية وليست جنحة»، مشيراً إلى أن «هناك أكثر من 17 ألف متابع من منظمات المجتمع المدني تم منحهم تصاريح متابعة الاستفتاء، وتم استبعاد 4 منظمات من المتابعة». وأشار إلى أن «كل القضاة المحالين على التحقيق أو الموقعة في حقهم جزاءات أو عقوبات، تم استثناءهم من المشاركة في الإشراف». وأعلنت جامعة الدول العربية أن فرق مراقبيها بدأت التوجه إلى المحافظات المختلفة للانتشار في اللجان الانتخابية ومراقبة الاستفتاء. وأوضحت البعثة في بيان أنها أقامت «غرفة أزمات في الأمانة العامة للجامعة العربية لتكون مقراً لمتابعة غرفة عمليات الاستفتاء، والاتصال بالمتابعين في المحافظات المختلفة يومياً ثلاث مرات». وأشادت ب «توفير المؤسسات المصرية الخدمات اللازمة، خصوصاً الخدمات التي تتعلق بتأمين المتابعين من الدول العربية المختلفة». في المقابل، قرر حزب «مصر القوية» الذي يترأسه القيادي السابق في جماعة «الإخوان» عبدالمنعم أبو الفتوح الانسحاب مقاطعة الاستفتاء، لينضم إلى جماعة «الإخوان» التي كررت أمس وحلفاؤها دعوة المصريين إلى مقاطعة الاقتراع. وعزا الحزب قراره إلى «منح الوافدين الحق في الاقتراع خارج مقار إقامتهم، ما يلغي أحد أهم ضمانات نزاهة الاستفتاء، إضافة إلى الأجواء التي صاحبت ما قبل عملية الاستفتاء من شحن جماهيري وتوجيه إعلامي فج سواء كان حكومياً أو خاصاً». وانتقد «استغلال المال العام والموارد من قبل السلطة التنفيذية والتخوين لكل رافضي المشروع لأسباب موضوعية، ثم أخيراً حملة الاعتقالات والانتهاكات الأمنية التي تعرض لها أعضاء الحزب أثناء دعوة المواطنين إلى التصويت بلا على الدستور». وقال: «كل هذا جعل من إعادة تقويم موقفنا من المشاركة في هذه العملية أمراً منطقياً، بل وواجباً». وشدد على أنه «لن يتخلى أبداً عن استدعاء الجماهير وفق آلية سياسية وقانونية منضبطة كوسيلة لحسم الخلاف السياسي». ودعا إلى «الالتزام بالسلمية في أي تجمع شعبي أو احتجاج سياسي»، مؤكداً رفضه التام «لأي تعد على الممتلكات العامة والخاصة من أي طرف كان». وكان «التحالف الوطني لدعم الشرعية» الذي تقوده جماعة «الإخوان» جدد دعوته المصريين إلى «مقاطعة الاستفتاء على الدستور». وقال في بيان: «لا تسمعوا خطابات كهنة الانقلاب... نعم تزيد النقم ولا بتزويرهم الممنهج تساوي نعم والمقاطعة هي السبيل الوحيد الصحيح». ورأى أن «الانقلابيين خسروا جولة جديدة أمام الشعب بسقوط مدو لوثيقتهم السوداء الباطلة تحت أقدام الإرادة الحرة للمصريين في الخارج... حان دوركم في الداخل لاستكمال مشهد إسقاط استفتاء الدم بحشود حضارية سلمية». إلى ذلك، أجرى وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل اتصالاً هاتفياً مساء أول من أمس مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، ركز على استعدادات مصر للاستفتاء. وقال الناطق باسم البنتاغون جون كيربي في بيان إن الوزيرين «ناقشا أهمية الاستفتاء على الدستور بالنسبة إلى التحول السياسي في مصر عموماً، وأكد هيغل خلال الاتصال أهمية إجراء استفتاء شفاف يحظى فيه كل المصريين بفرصة الإدلاء بأصواتهم بحرية، كما حض على ضمان حرية وصول مراقبي الاستفتاء إلى اللجان». والتقى وزير الخارجية المصري نبيل فهمي نظيره الفرنسي لوران فابيوس في باريس. وقالت الوزارة في بيان إن فهمي «عرض مجمل الأوضاع في مصر، مؤكداً عزمنا المضي قدماً في تنفيذ خريطة الطريق وفقاً للجدول الزمني المعلن، وحرص مصر على إقامة نظام ديموقراطي جامع لكل المصريين الذين ينبذون العنف، ويوافقون على الاندماج في مسيرة التحول المجتمعي التي نمر بها وفقاً لمحددات الديموقراطية المعروفة للجميع». وأضاف البيان أن «فابيوس رحب بالخطوات التي تم اتخاذها، مؤكداً موقف فرنسا الإيجابي تجاه مصر وعزمها مد يد العون لها في المجالات كافة سواء على الصعيد الثنائي أو من خلال الاتحاد الأوروبي. وشدد على اهتمام فرنسا بمساعدة مصر اقتصادياً».