زادت الشكوك في شأن نزاهة المرحلة الأولى من الاستفتاء على مشروع الدستور في مصر بعدما اعتبرت منظمات المجتمع المدني التي تابعت العملية أنها «شهدت كماً من الانتهاكات الصارخة من شأنها التأثير في النتائج»، فيما وثقت المعارضة مخالفات قالت إنها ترقى إلى حد «الجرائم الجنائية» التي تستوجب العقاب. ورأت أن «التزوير» غيّر النتائج في حدود 10 في المئة لمصلحة التصويت بنعم. وفي وقت لم تستبعد قوى المعارضة مقاطعة المرحلة الثانية بسبب كم التجاوزات في محافظات المرحلة الأولى، رأت جماعة «الإخوان المسلمين» أن الاقتراع «أثبت أن المجتمع المصري انتقل إلى مصاف الدول الديموقراطية»، آملة بأن تتم المرحلة الثانية السبت المقبل في 17 محافظة في الأجواء ذاتها. وبدا أن المنظمات الحقوقية هالها كم التجاوزات حتى أنها طلبت إعادة الاقتراع، في وقت أظهرت أشرطة مصورة من داخل لجان التصويت تداوَلَها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، ممارسات أعادت إلى الأذهان أجواء الانتخابات في ظل نظام الرئيس السابق حسني مبارك. وظهر في أحد هذه الأشرطة مجموعة من النسوة أمام إحدى اللجان يصرخن في المشرفين عليها للمطالبة بالاقتراع، بعدما وقعن في كشوف الناخبين من دون أن يقترعن. وظهر رجل ملتح داخل اللجنة اتهمته السيدات بتسويد البطاقات، فيما طلبت أخرى من القاضي الإطلاع على هويته، فأبرزها، فسألته: «كيف تسمح بهذه التجاوزات وتمنعنا من الإدلاء بأصواتنا... نريد أن نعيش في حرية». وفي شريط آخر ظهر طفل في لجنة انتخابية يقوم بفرز الأوراق وعدها وسط حال من الفوضى، لكن لم يتسن التأكد مما إذا كان المشهد لإحدى لجان الاستفتاء. وأذاعت قنوات فضائية شريطاً يظهر فيه صندوقان يحتويان على أوراق قال شخص من خلف الكاميرا إنها بطاقات اقتراع خاصة بالاستفتاء على الدستور، وحرص على إظهار رقم الصندوق واللجنة التابع لها. وتعددت الأشرطة التي تصب كلها في اتجاه ترجيح ممارسة تزوير وصل إلى حد تسويد البطاقات، كما لوحظ أن وسائل الإعلام التابعة لجماعة «الإخوان» أعلنت نتائج لجان عدة مساء أول من أمس قبل انتهاء التصويت ببضع ساعات. وكان لافتاً أن جاءت هذه النتائج متطابقة مع ما أعلن بعد منتصف الليل. وأعلنت «جبهة الإنقاذ الوطني» التي تقود المعارضة أنها لن تعترف بأي فرز بدأ قبل موعد غلق اللجان، مشيرة إلى «رصد 120 اسماً انتحلوا صفة قضاة». وأكدت أن المرحلة الأولى شهدت «عمليات تزوير غير مسبوقة». وقالت إن «النظام بتصرفاته غير المسؤولة تسبب في حرمان الأمة من إشراف قضائي كامل، وصدر مجلس حقوق الإنسان الذي يترأسه (رئيس الجمعية التأسيسية للدستور) حسام الغرياني ليراقب نفسه». وحذرت من استخدام اللجنة العليا للانتخابات «لتمرير إجراءات وقرارات لصالح جماعة الإخوان». وأضافت أن «الجبهة تشعر بثقة بأن مطلبها بتأجيل إجراء الاستفتاء حتى يتم التوافق بين المصريين وتجاوز مرحلة الاحتقان الحالية كان الموقف الصحيح لمصلحة هذا الوطن وشعبه لأنه يزيد من انقسام الوطن، ولن يحقق الاستقرار الذي ننشده». من جانبه، قال عضو الجبهة وحيد عبدالمجيد ل «الحياة» إن اجتماعا يفترض أن يكون عُقد مساء أمس سيبحث في موقف الجبهة من المشاركة في المرحلة الثانية. وعما إذا كانت الجبهة ستتجه إلى المقاطعة بسبب الانتهاكات كما سبق أن تعهدت، أجاب عبدالمجيد: «كل الخيارات مطروحة للنقاش، لكن من الصعب تحديد الموقف قبل المناقشات». وأضاف: «أياً كان الموقف، فقد ثبتت مما حدث صحة موقفنا بأنه لا يصح إجراء استفتاء في ظل انقسام حاد، فحتى لو افترضنا صحة الأرقام المعلنة، وهي غير صحيحة، فإن ما يقرب من نصف المجتمع ضد الدستور»، مشيراً إلى أن «الدساتير تقتضي على الأقل موافقة ثلثي أفراد المجتمع عليها، إنما دستور يعبر عن نصف المجتمع ويرفضه النصف الآخر، فلا يعتبر مشروعاً». وأكد أن «حجم التزوير والتلاعب غيّر النتائج في حدود 10 في المئة على الأقل لمصلحة التأييد، ومع ذلك حين قلنا إن هذا المشروع يقسم مصر اتهمونا بالكذب، والآن ثبت أن هذه الوثيقة لا تصلح دستوراً لأنها تهدد الاستقرار ومستقبل البلاد». وشدد على أن «التزوير غير النتائج في شكل جوهري، فعلى الأقل 20 في المئة منها مزورة، كما أن هناك مخالفات تصل إلى حد الجرائم الجنائية، خصوصاً أن موالين للنظام أشرفوا على الاقتراع منتحلين صفة قضاة، ولدينا 120 حالة مثبتة بدلائل مادية تكفي لإقامة دعاوى جنائية ضد شخوصها، فضلاً عن حالات أخرى لا دليل مادياً يثبتها، ولكن الشكوك حولها كبيرة جداً». وأكد أن «هناك أدلة موثقة على التزوير، حتى أن الكشف الذي أعدته اللجنة العليا للانتخابات بأسماء القضاة فيه عدد كبير من القضاة الذين أكدوا رفضهم الإشراف على الاستفتاء... هناك 74 قاضياً قدموا اعتذارات مكتوبة ووردت أسماؤهم في هذا الكشف». ولفت إلى أن «المشرفين من غير القضاة عطلوا الاقتراع في اللجان التي وجدوا أن غالبية المقترعين فيها يرفضون الدستور». من جانبها، أكدت غرفة العمليات في نادي القضاة أنها تلقت نحو 420 شكوى من ناخبين في شأن تجاوزات المرحلة الأولى للاستفتاء، بينها 120 شكوى من عدم وجود قضاة في اللجان، وأن المشرفين على الاستفتاء من غير القضاة. وطالبت اللجنة العليا للانتخابات بإعلان أسماء القضاة المشاركين في الإشراف على الاستفتاء، بعد تلقيها عشرات الشكاوى والبلاغات عن انتحال أشخاص يتولون الإشراف على اللجان صفة القضاة. وطالبت منظمات حقوقية فى مؤتمر صحافي أمس بإعادة الاقتراع، لما شهدته المرحلة الأولى من «انتهاكات صارخة». وأكد رئيس «مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان» بهي الدين حسن، أن المنظمات «قررت المشاركة في المراقبة على الاستفتاء رغم عدم وجود أي شروط لنزاهة العملية الانتخابية وانسحاب القضاة اعتراضاً على الدستور»، مشيراً إلى أن «العملية الانتخابية سارت وسط حملات من العنف والبلطجة السياسية». وقالت ست منظمات أشرفت على الاقتراع في بيان تلاه حسن إن «هناك تلاعباً واضحاً بإرادة الجماهير»، مشيراً إلى «منع المجتمع المدني من دخول لجان الاقتراع وانفراد الإخوان بتصاريح المجلس القومي لحقوق الإنسان (الرسمي)، فضلاً عن انتحال أشخاص صفة القضاة خلال الاستفتاء». من جانبه، قال الحقوقي البارز نجاد البرعي إن «فرز الأصوات تم في غيبة منظمات المجتمع المدني أو ممثلي القوى السياسية»، مضيفاً ان «المنظمات الحقوقية تعتزم تقديم بلاغات إلى النائب العام في الجرائم الانتخابية». واعتبر أن «شرعية الدستور على المحك». وأقر تقرير لغرفة العمليات المركزية في «المجلس القومي لحقوق الإنسان» بوقوع «العديد من المخالفات منها منع بعض المراقبين من ممارسة مهامهم وعدم اعتراف بعض رؤساء اللجان وقوات تأمين اللجان بتصاريح المراقبة التي يحملونها ووجود تصويت جماعي في بعض اللجان وتوزيع رشاوى انتخابية وتسويد بطاقات من قبل رؤساء بعض اللجان الانتخابية ومنع ناخبين من دخول اللجان وعدم وجود كشوف الناخبين في لجان أخرى». ودان حزب «التجمع» في بيان «الإصرار الإخواني على تخطي كل الحدود في مجال التزوير والتلاعب والبطاقات غير المختومة والموظفين الجالسين مكان القضاة» في المرحلة الأولى من الاستفتاء. وانتقد «احتلال ممثلي الإخوان لكل اللجان الانتخابية والتلاعب بالأرقام». ورأى أن «مصر تساق رغم أنف غالبية شعبها ليتحكموا فيها بدستور بائس وغير مقبول وغير حكيم». من جانبها، رأت «حركة 6 أبريل» أن نتيجة المرحلة الأولى «أطاحت أحلام التيار الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين، بعد أن قال ما يقرب من نصف الشعب المصري لا في مواجهه مشروع الدستور». وقال القيادي في الحركة محمد عادل في بيان، إن «أعضاء الحركة بدأوا في تكثيف تحركاتهم استعداداً للمرحلة الثانية... ونحن واثقون في قدرتنا على إسقاط مشروع الدستور». في المقابل، شكرت جماعة «الإخوان» الناخبين. وناشدت الشعب المصري «ألا يعطي آذانه وتفكيره لبعض وسائل الإعلام التي يمتلكها بقايا النظام السابق والتي تنشر الأكاذيب والافتراءات على الدستور». وتوجهت الجماعة في بيان بالشكر إلى «قضاة مصر الشرفاء الذين حافظوا على نزاهته والقوات المسلحة والشرطة اللتين قامتا بتأمين العملية». واعتبرت أن «الطوابير الحاشدة دليل على أن الشعب خلع عن نفسه رداء السلبية وشعر بقيمته وسيادته وحقه في إعمال إرادته». وقالت إن «الشعب المصري أثبت أنه انتقل في فترة قصيرة إلى مصاف الدول الديموقراطية التي تمارسها وتحترم نتائجها». في غضون ذلك، أقام المرشح الرئاسي السابق الحقوقي خالد علي دعوى قضائية لإلغاء نتائج الاستفتاء بسبب عدم تضمين بطاقة الاقتراع بنود الدستور الجديد، كما أقام رئيس حزب «السلام الديموقراطي» أحمد الفضالي دعوى مماثلة «نظراً إلى الانتهاكات الجسيمة التي شابت عملية الاستفتاء».