احتفل أقباط مصر بعيد الميلاد المجيد وسط استنفار رسمي وأمني، عشية انطلاق الاستفتاء على مشروع الدستور اليوم باقتراع المغتربين الذي يستمر حتى الأحد. وشاركت مؤسسات الدولة على اختلافها بممثلين في احتفالات الأقباط بعيد الميلاد. وتوافد كبار أركان الحكم على الكاتدرائية لتهنئة البابا تواضروس الثاني الذي كان ترأس قداس العيد مساء أول من أمس وسط حضور رسمي واسع واستنفار أمني غير مسبوق. واستبقت وزارة الداخلية توافد الأقباط على الكنائس لأداء القداس بإجراءات أمنية مشددة، لا سيما في صعيد مصر، فنشرت المكامن الشرطية حول الكنائس مدعمة بالكلاب المدربة على اكتشاف المفرقعات، ومنعت وصول السيارات إلى محيط مباني الكنائس. وأغلقت الشوارع المحيطة بالكاتدرائية القبطية في حي العباسية. ونجحت تلك الإجراءات في تمرير الاحتفالات في هدوء ولوحظ استحسانها من قبل المتوافدين، على رغم التشدد. وحرص مسؤولون على حضور قداس عيد الميلاد الذي ترأسه البابا. وكان في مقدم الحضور نائبا رئيس الوزراء حسام عيسى وزياد بهاء الدين ورئيس لجنة تعديل الدستور عمرو موسى والقائم بأعمال رئيس ديوان الرئاسة اللواء عبدالمؤمن فودة، فيما أوفد وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي وفداً رفيع المستوى من قادة الجيش. وحظي السيسي بتصفيق حاد عندما ذكر البابا اسمه ضمن لائحة المهنئين. وزار أمس رئيس الوزراء حازم الببلاوي وعدد من وزراء حكومته أبرزهم وزير الداخلية محمد إبراهيم البابا أمس للتهنئة. وبعث الرئيس الموقت عدلي منصور ببرقية إلى البابا أعرب فيها عن «خالص تهانيه وأطيب تمنياته للبابا تواضروس الثاني ولجميع الإخوة الأقباط بموفور الصحة والسعادة ولوطننا مصر بدوام العزة والرفعة». وتسابقت القوى السياسية في تقديم التهاني إلى الأقباط وزيارتهم في الكنائس، فحضر عدد من رؤساء الأحزاب السياسية قداس عيد الميلاد، وانتشرت لافتات التهاني ممهورة بتوقيعات أحزاب على واجهات كنائس عدة. وأكد البابا في كلمته خلال استقبال المهنئين على «حياد الكنيسة كأحد أعمدة الوطن، إلى جانب الجيش والأزهر والقضاء وغيرها من مؤسسات الدولة». وتطرق إلى زيارة الرئيس منصور الكاتدرائية «التي تؤكد أنه رئيس لكل المصريين». ودافع عن مشاركته في خريطة الطريق «كتعبير عن نبض الشارع وإحساس الشعب المصري بثورته». ورأى أن زيارات الوزراء والمسؤولين والسياسيين «تعطي صورة واضحة للعالم بطبيعة الحياة المصرية وطبيعة الاندماج». ولفت رئيس الحكومة إلى أن «مصر تمر بأعياد عدة بدأت بالميلاد وبعد أيام سنحتفل بالمولد النبوي الشريف وعيد آخر وهو الاستفتاء. إنه يوم تاريخي في مصر، وسنبني فترة جديدة تجعل مصر مدنية منفتحة على العالم، تؤمن بالتسامح وقبول الآخر». وأضاف: «أن ثورتي 25 يناير و30 يونيو استطاعتا حل مشاكل قديمة كثيرة، خصوصاً تغيير شكل الحكم، كما أن الشعب المصري استطاع أن يغير المسار والوزير المتخاذل سيحاسبه الشعب، كما أن على المسؤولين تحمل المسؤولية وليس كما فعلت بعض العناصر في الفترة الماضية، ورخاء مصر سيأتي بمسؤولية الجميع فالسماء لا تمطر سلعاً وخدمات بل بالعرق والعمل». أما وزير الداخلية فأشاد ب «الدور الوطني المُشرّف للكنيسة المصرية في نشر قيم التسامح بين كل أبناء الشعب، ما يؤكد روح المواطنة ويجسدها بين أبناء الشعب المصري العظيم». بدء استفتاء المغتربين إلى ذلك، ينطلق استفتاء المغتربين على مشروع الدستور اليوم في السفارات المصرية. وأوضح الناطق باسم وزارة الخارجية بدر عبدالعاطي أن سفارة مصر في نيوزيلندا «ستكون أول بعثة ديبلوماسية يدلي فيها المصريون في الخارج بأصواتهم، نظراً إلى فروق التوقيت، ليتوالى بعدها التصويت في بعثات مصر الديبلوماسية في أستراليا وكذلك دول شرق آسيا مثل اليابان والصين وبعدها في دول أوروبا ثم الأميركتين فيما ستكون قنصلية مصر في لوس أنجليس في الولاياتالمتحدة آخر بعثة يتم فيها الإدلاء بالأصوات». وأوضح أن «عدد الناخبين الذين لهم الحق في الإدلاء بأصواتهم في الخارج يبلغ 680 ألفاً و775، وسيجرى التصويت في 138 سفارة وقنصلية في كل أنحاء العالم». وأردف: «أن تصويت المصريين في الخارج على الدستور في سفاراتنا وقنصلياتنا سيتم من الساعة التاسعة صباحاً حتى التاسعة مساء حتى الأحد المقبل». وأثار فض الشرطة الفرنسية اعتصاماً لعدد من المصريين داخل ساحة السفارة المصرية في باريس كانوا يطالبون بإقالة السفير، قلقاً من حصول مواجهات بين مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي في الخارج ومعارضيهم خلال الاقتراع، على رغم أن جماعة «الإخوان» قررت وحلفاءها مقاطعة الاستفتاء. وفي ما يخص استعدادات الاستفتاء الذي ينطلق الثلثاء المقبل داخل البلاد، أعلنت مؤسسة «ديموكراسي أنترناشيونال» أنها سترسل بعثة مراقبة دولية إلى مصر لمتابعة الاقتراع بعد دعوة وجهتها اللجنة العليا للانتخابات في مصر. وأوضحت في بيان أن بعثتها «ستضم أكثر من 80 مراقباً دولياً سيتوافدون على 23 محافظة من أصل 27 محافظة مصرية لمتابعة سير عملية التصويت والفرز في الاستفتاء على الدستور، وستتألف البعثة من خبراء انتخابات وخبراء إقليميين ومهنيين في مجال السياسة والتنمية من عشر دول ويرأسها إريك بيورلوند المسؤول في المؤسسة». وأشارت إلى أن «هذه ستكون أكبر بعثة مراقبة دولية لهذا الاستفتاء». وأعرب «مركز كارتر» لمراقبة الانتخابات عن «قلقه من حال الاستقطاب وضيق الأفق السياسي المحيطة بعملية الاستفتاء». وأوصى المركز الذي سُمح له بمراقبة عملية الاقتراع السلطات المصرية «بتوفير معلومات واضحة عن محددات الاستفتاء بما في ذلك الحد الأدنى الذي سيكون بمثابة الموافقة على الدستور وما سيحدث في حال فشل الاستفتاء، قبيل توجه المصريين إلى مراكز الاقتراع». وأوصى بوقف «الحملة التي شنّتها السلطات على «الإخوان المسلمين» وغيرهم من ناشطي المعارضة، وإلغاء قانون التظاهر الذي أصدرته الحكومة المصرية أخيراً، خصوصاً أنه يُقيد في شدة التجمعات العامة والمؤتمرات الجماهيرية بما في ذلك الحملات الانتخابية». وطالب ب «رفع القيود المفروضة على وسائل الإعلام المتعاطفة مع الإسلاميين». وقال المركز: «على رغم أن الحريات الأساسية مثل التجمع والتعبير عن الرأي يجب أن تكون محمية، إلا أنه في الوقت نفسه على كل المصريين الامتناع عن أعمال العنف والتحريض والتخويف، وعلى قوات الأمن الامتناع عن استخدام القوة المفرطة في حال الاضطرابات». ونبه إلى أن «من المهم أن يتأكد المصريون أن بعد الانتهاء من الاستفتاء، سيتم اتخاذ خطوات حقيقية لبدء حوار شامل وهادف ومواصلته، إضافة إلى إصلاحات دستورية ووضع إطار للانتخابات المقبلة يحظى بقبول على نطاق واسع». وأعلن حزب «مصر القوية» الذي يقوده القيادي السابق في «الإخوان» عبدالمنعم أبو الفتوح رفضه قرار الرئيس منصور تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية للسماح للناخبين بالتصويت في الاستفتاء المقبل خارج محل الإقامة. وطالب الحزب في بيان ب «الإلغاء الفوري لتعديل هذا القانون»، معتبراً أن تلك القرارات «تؤدي إلى غياب الضمانات المحققة لنزاهة عملية التصويت، والسلطة تدفع الراغبين في المشاركة الجادة في عملية الاستفتاء إلى تغيير مواقفهم». ورأى أن «فتح باب التصويت مرات عدة في شكل ممنهج أو عشوائي في ظل إجراء الاستفتاء على يومين، وهو ما طالبنا برفضه من قبل، يشكك في صحة نتائج الاستفتاء ومدى تعبيرها عن إرادة المصريين». ورد مستشار الرئيس للشؤون الدستورية علي عوض على معارضي القرار ضمناً متعهداً وضع «ضوابط صارمة لمنع تصويت الشخص أكثر من مرة ومنع تكرار التصويت». وتابع: «أن اللجنة العليا للانتخابات ستعلن تلك الضوابط قريباً جداً». ودافع عن القرار الذي قال إنه «صدر بعد دراسة وافية واستجابة لمطالب كبيرة». من جهة أخرى، أفتى الداعية الإسلامي المحسوب على جماعة «الإخوان» يوسف القرضاوي ب «وجوب مقاطعة دستور الانقلابيين» في مصر. وقال: «إن هذا الدستور باطل دعت إليه سلطة باطلة وقامت بإعداده لجنة باطلة، وجاءت نصوصه لتكرس للباطل، فأنا أدعو المصريين في الداخل والخارج إلى مقاطعة هذا الدستور، وأفتي بحرمة المشاركة فيه، أو المساهمة في كل ما يقوي شوكة هؤلاء الانقلابيين، أو يثبت أركان حكمهم». ورأى أن «المشاركة في عملية الاستفتاء بمثابة اعتراف كامل بشرعية هذا الانقلاب وممارساته القمعية الاستبدادية، في ظل التزوير المؤكد حدوثه».