دفنت إسرائيل أمس بمراسم شرف عسكرية رئيس حكومتها الحادي عشر، أحد أبرز عسكرييها منذ إقامتها، أريئل شارون في مزرعته الخاصة «حفات شكميم» القريبة من قطاع غزة، وسط إجراءات أمنية مشددة تحسباً من تعرض المشاركين في الجنازة إلى صواريخ من قطاع غزة القريب في ظل أنباء عن إرسالها تحذيراً إلى حركة «حماس» من مغبة إطلاق صواريخ. ولفت مراقبون إلى أن المشاركة الشعبية في الجنازة جاءت هزيلة إذ لم يشارك سوى ألف شخص، على رغم أنها أتيحت لمن يرغب وتم توفير الحافلات لنقلهم إلى المزرعة، فيما لم يتعدَّ عدد الإسرائيليين الذين مروا أمام النعش المسجَّى في باحة الكنيست 20 ألفاً. وتمت المراسم تحت حراسة مشددة للمنطقة المحيطة بالمزرعة شارك فيها مئات من أفراد الشرطة والخيّالة ورفع مستوى الإنذار. ونشرت بطاريات النظام المضاد للصواريخ النقالة «القبة الحديد» في المنطقة. وحمل ثمانية جنرالات في الجيش الإسرائيلي النعش الذي لف بالعلم الإسرائيلي بينما كانت تتلى صلوات، ليوارى الثرى بالقرب من زوجته ليلي بناء على وصيته. يذكر أن شارون توفي عن 85 سنة بعد غيبوبة استمرت ثمانية أعوام. وقال قائد شرطة جنوب إسرائيل يورام هاليفي للإذاعة العسكرية: «أخذنا في الاعتبار كل السيناريوات الممكنة والجيش مستعد للرد فوراً في حال الحاجة». وأشارت الإذاعة العسكرية إلى أنه وعلى سبيل الاحتياط تم رفع عدد الطائرات من دون طيار التي تراقب قطاع غزة بشكل دائم في محاولة لرصد احتمال قيام مقاتلين فلسطينيين بالتحضير لإطلاق صواريخ نحو جنوب إسرائيل. وكان لافتاً أيضاً العدد القليل من الزعماء الدوليين الذين شاركوا، وكان أبرزهم نائب الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الحكومة البريطانية السابق توني بلير ووزير الخارجية الألمانية فرانك فالتر شتاينماير الذي يقوم حالياً بزيارة رسمية إلى إسرائيل، فيما لم توفد غالبية الدول ممثلين على مستوى رفيع. وكانت «لجنة الطقوس» الخاصة التي استعدت للحدث منذ فترة طويلة توقعت مشاركة واسعة من زعماء حاليين وسابقين مثل الرئيس الأميركي السابق جورج بوش ووزيرة خارجيته كوندوليزا رايس ورؤساء حكومات غربية. وأبّن شارون قبل مواراته الثرى نجله غلعاد الذي أشاد بالمشروع الاستيطاني الذي رعاه والده في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة عام 1967 بقوله: «على أولئك الغاضبين منك بسبب خسارتهم المستوطنات (في قطاع غزة) أن يذكروا أنك أقمت أكثر من مئة مستوطنة». وأضاف: «كنتَ لنحو 60 عاماً في واجهة الأحداث في إسرائيل، وكان لك قسط مركزي فيها، ولا يوجد موقع لا توجد بصمات أصابعك فيه». وقال رئيس هيئة أركان الجيش الجنرال بيني غانتز في كلمته التأبينية: «لا أعتقد أن هناك عقيدة قتال لا يمكن تشخيص بصمات أصابعك فيها كقائد»، مشيداً بشارون كرئيس للحكومة أيضاً «حيث أبديتَ قيادة صلبة ضد الإرهاب حين شكّل تحدياً... ومن خلال هذه القيادة منحتَنا الشعور بأن وراء المقود قائد قوي العزيمة ومجرّب». وأعلن أن الجيش سيخلد ذكرى شارون بإطلاق اسمه على القرية العسكرية التي يقيمها في النقب وسينقل إليها أواخر هذا العام قواعد عسكرية كثيرة. وأضاف: «أنا هنا لأؤكد أن الجيش المدافع عن الشعب سيواصل ليكون على صورتك وشخصك لسنوات كثيرة أخرى. وها هي الأرض التي حاربتَ مع مرؤوسيك من أجلها تحتضنك في راحتك الأبدية». وكانت الجنازة توقفت في طريقها من الكنيست إلى المزرعة في اللطرون على مشارف القدس حيث عقدت هيئة أركان الجيش العامة اجتماعاً خاصاً. وتم اختيار الموقع كونه الأول الذي خاض فيه شارون حرباً إبان احتلال فلسطين وأصيب فيها، وهو في العشرين من عمره. واعتبرت هذه المعركة محطة محورية في مسيرة شارون العسكرية. وسبق الدفن مراسم تأبين في باحة الكنيست شارك فيها نائب الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز ورئيس الحكومة بنيامين نتانياهو. وقال بيريز إن شارون كان «الكتف الذي يستند إليه أمن البلاد... ولم يتوقف عن خدمة شعبه في الدفاع عن بلده وجعلها تزدهر». من جهته، أشاد نتانياهو بشارون «المقاتل»، مشدداً على دوره خصوصاً خلال حرب العام 1973 و «حربه ضد الإرهاب». وأضاف أن شارون «كوزير وكرئيس للحكومة عمل من أجل الحفاظ على حق إسرائيل في العمل العسكري في المنطقة وهو حق نواصل الحفاظ عليه وهو ضروري من أجل السلام». وأضاف أنه لم يتفق مع شارون دائماً «لكننا عملنا معاً من أجل إسرائيل»، متعهداً «بالدفاع بحزم عن مبادئ شارون» بشأن أمن إسرائيل. وأكد أن «دولة إسرائيل ستتبع كل الطرق الممكنة لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي». وأضاف أن مساهمة شارون الخاصة لأمن الدولة «ستدخل صفحات التاريخ الحديث». ورأى بايدن أن شارون كان رجلاً «متعدد الجوانب، عاش في عصر معقد ومحيط معقد». وامتدح ما اعتبره «شجاعة سياسية» في تنفيذ خطة فك الارتباط عن قطاع غزة عام 2005، «لأنه اعتقد أن ذلك سيعزز إسرائيل». وأكد أنه طوال فترة شارون ظلت الولاياتالمتحدة غير مستعدة للمساومة في التزامها تجاه إسرائيل. وقال رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير إن شارون «قد يكون سبّب أضراراً كبيرة لمحيطه لكن وجهته ودوافعه كانت واضحة دائماً». وأضاف أن «شارون حارب عندما اعتقد أن إسرائيل يجب أن تحارب. وتوجه إلى الديبلوماسية عندما اعتقد أنه يجب صنع السلام بعد أن أدرك أن الحرب وحدها لا تضمن سلامة الدولة ولا مستقبلها. وتحول من رجل حرب إلى رجل سلام». كما أشاد بشارون صديقه القديم وشريكه في تنفيذ المشروع الاستيطاني في الأراضي المحتلة زئيف حفير (زمبيش)، وقال إن شارون الذي كان يوصف ب «البلدوزر» آمن إيماناً أعمى بقدرات الشعب اليهودي و «علّم أبناء إسرائيل القتال ثم الاستيطان. وكان أبانا في كل ما يتعلق ببناء المستوطنات». وأشار معلقون إلى أن كلمة نتانياهو اتسمت بالانضباط بعيداً عن الكلام المؤثر، مستذكرة العلاقات السيئة التي سادت بينه وبين شارون في ظل تقارير وسائل الإعلام بأن «شارون كان يحتقر نتانياهو، ويغار منه في الوقت ذاته». ورأى معلق القناة العاشرة أن كلمات بايدن وبلير وبيريز حول التحوّل في حياة شارون الناجم عن قدرته على الحسم واتخاذ القرارات، كما العناق التي استقبلت به وسائل الإعلام شارون في رحيله، كانت رسالة لنتانياهو تقول له إن الترحيب المماثل والإشادة بشخصه سيكونان من نصيبه في حال أقدم على خطوات شجاعة في العملية السياسية مع الفلسطينيين.