حذّرت تقارير محلية ودولية من وقوع كارثة اقتصادية واجتماعية في اليمن نتيجة شح المياه والاستنزاف الجائر لها، وتوقعت أن تنفد الموارد المائية غير المتجددة في صنعاء في فترة تتراوح بين 5 و10 سنوات. وأفادت بأن اليمن هو سابع دولة تعاني من شح المياه عالمياً، إذ يبلغ النصيب السنوي للفرد من المياه العذبة 114.8 متر مكعب في أنحاء اليمن، ما يشكل أقل من 10 في المئة من المتوسط الإقليمي وأقل من 2 في المئة من المتوسط العالمي. وتشير التقديرات إلى أن مجموع الموارد المائية المتجددة في اليمن تبلغ سنوياً حوالى 2.5 بليون متر مكعب، بينما الكميات المستهلكة تقدر ب3.7 بليون متر، منها 753.4 مليون متر مكعب كميات متجدّدة سنوياً في الآبار و461.7 مليون كميات إضافية مسحوبة من المخزون، ويتوقع أن يستمر العجز في الارتفاع ليصل عام 2040 إلى 2.5 بليون متر مكعب وبنسبة 103 في المئة من إجمالي كمية المياه العذبة المتجدّدة. النمو السكاني والكميات المهدورة ويعدّ توسع إنتاج نبتة «القات» في العقود الأخيرة العامل الرئيس وراء استنزاف احتياطيات المياه الجوفية في اليمن. ووفقاً لدراسة رصد الأمن الغذائي المحدّثة التي نفذها برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، يستهلك القات الذي يتم إنتاجه في شكل رئيسي في محافظات صنعاء والبيضاء وعمران وحجة وإب، ما يصل إلى 70 في المئة من موارد المياه الجوفية، إذ ازداد إنتاج القات في اليمن من 76 ألف طن عام 1991 إلى حوالى 170 ألف طن في 2012. لكن عوامل أخرى ساهمت بوضوح في تدهور وضع الموارد المائية في اليمن. ويؤكّد التقرير السنوي لوزارة التخطيط والتعاون الدولي اليمنية أن من أهم هذه العوامل والتحديات ارتفاع النمو السكاني بنسبة 3 في المئة سنوياً، وتقادم شبكات إمداد المياه والفاقد الذي يصل إلى 50 في المئة من ضخ المياه وتوزيعها، وطريقة الري الزراعي بالغمر والتي تصل نسبة الفاقد فيها إلى 70 في المئة. ويقول مدير مكتب البنك الدولي في اليمن وائل زقوت في تصريح إلى «الحياة»: «إن معظم اليمنيين «وعددهم 25 مليوناً» عاشوا لقرون في المرتفعات، وإن الزراعة التقليدية في المناطق المرتفعة والتي تعتمد على الأمطار لن تكون كافية، إذ إن عدد السكان الذين يعيشون حالياً في المرتفعات يتراوح بين 15 و20 مليوناً، ويتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى حوالى 40 مليوناً على مدى السنوات العشرين المقبلة». ويلفت زقّوت إلى أن كمية المطر في المرتفعات كانت تساعد في السابق مليوناً أو اثنين أو حتى خمسة ملايين شخص على العيش. ويؤكّد أن الدراسات المائية تظهر أن حوض صنعاء يتناقص في شكل سريع، وربما يجف خلال السنوات الخمس إلى العشر المقبلة. ويضيف: «يجب أن تتجه نظرة اليمن نحو الساحل، فوضع خطة تركز على التنمية في المناطق حيثما تكون الظروف مؤاتية ومستدامة، مثل المدن الساحلية كمدينة عدن والحديدة والمكلا والمخا، يجب أن تكون أيضاً أحد المكونات الحيوية في الحوار الوطني». ويعاني اليمن من ضعف شديد في مستوى تغطية خدمات المياه، إذ تبلغ نسبة تغطية إمدادات المياه والصرف الصحي من الشبكة العامة حوالى 26 في المئة و16 في المئة من السكان على التوالي، ويضطّر سكان صنعاء لتعويض نقص المياه بشراء مياه بواسطة الصهاريج. ويقول وزير المياه والبيئة اليمني عبده رزّاز صالح: «إن الحفر القانوني قائم من دون ضوابط ولا معايير، داعياً إلى تطبيق قانون المياه الصادر عام 2002». ويوضح أن اعتماد اليمن على المياه الجوفية في عمليتي الري والشرب، أدى إلى تناقص مخزون البلاد المائي بشدة. ويحذّر من أن استمرار العبث وهدر ثروة اليمن المائية في زراعة القات سيؤدي إلى نتائج كارثية، لافتاً إلى أنه قد يضطر إلى التحلية. ويرى أن مدينة تعز تعتبر منكوبة مائياً، وأنها الأولى عالمياً في هذا المجال. ويؤكّد الوزير اليمني أن تحلية مياه البحر هي الحل والخيار المتاح وأن مشروع التحلية في تعز سيستغرق سنتين إذ تم رصد 220 مليون دولار له. إعلان حال الطوارئ ولم تكن مشكلة المياه بعيدة من مؤتمر الحوار اليمني القائم، إذ طالب فريق «التنمية المستدامة» المنبثق عنه بإعلان حال الطوارئ في شأن قضية المياه وجعلها من قضايا الأمن القومي لليمن، ومنع الاستنزاف الجائر للمياه الجوفية وإخضاع الحفارات لرقابة الهيئة الوطنية للمياه وتحديد مستوى الأعماق المسموح بحفرها. واقترح الفريق تشكيل هيئة وطنية عليا لتحديد الخيارات الاستراتيجية في شأن مشكلة المياه مع تعزيز قدرات وزارة المياه والبيئة والهيئة العامة للموارد المائية لتنفيذ القانون. كما شدّد فريق التنمية في قراراته على اتخاذ التدابير الإسعافية لتوفير المياه للمناطق التي تعاني شحاً كبيراً، ووضع خطة للحدّ من زراعة القات ومنع تناوله في القطاع الحكومي والقطاع الخاص أثناء الدوام الرسمي، ومنع أفراد القوات المسلحة من تناوله أثناء مزاولتهم مهامهم على أن تلزم الدولة أصحاب مزارع القات بوقف التوسع في الأراضي الزراعية واستخدام وسائل الري الحديثة للحفاظ على المياه. ودعا الفريق إلى مضاعفة الاهتمام بتنمية الموارد المائية والحفاظ على استدامتها من خلال التوسع في بناء السدود والخزانات والحواجز والمنشآت المائية، وإدخال تقنيات ووسائل الري الحديثة وتيسير الحصول عليها بأسعار تشجيعية، ودرس فرص التحلية وكلفتها لأغراض الشرب، ووضع قانون للمياه يظهر العلاقة بين المساقط المائية والوديان الزراعية التي يمر بها. وطالب الفريق بإنشاء محاكم خاصة بقضايا المياه ونشر الوعي حول المياه في المنهج الدراسي، وأن تلتزم الدولة بتوفير المياه اللازمة للمواطنين في المناطق الساحلية بأسعار مخفّضة.