مع مطلع السنة الجديدة، الذي شهد اقتراباً لانعقاد مؤتمر جنيف -2، وما يستلزمه من تحضيرات ونقاشات، وفي الوقت الذي شهد اندلاع معارك بين الفصائل المُسلّحة في ما بينها، بدا أن تحوّلات واضحة أخذت ترسم ملامحها على الصورة الإعلامية السورية، وأداء فضائياتها، مُؤيدة ومُعارضة، كلّ باتجاه مختلف، يعبّر بشكل عميق عن التحوّلات التي تطاول وضعية من يقف خلف كلّ منها. من جهة أولى، لا يمكن للمشاهد إغفال ملامح الاسترخاء والراحة التي تسرّبت إلى شاشة «التلفزيون العربي السوري»، وتعاظمت في نشراته الإخبارية، وبرامجه الحوارية، ومنوّعاته، في دلالة على الإحساس التامّ بالانتصار، خروجاً من عمق الأزمة. وقد تجاوزت الأحاديث كلها، أو في غالبيتها، فكرة «إسقاط النظام»، وغرقت الفصائل المُعارضة المُسلّحة في حروب إنهاك ذاتية، فيما تتخبط القوى السياسية المُعارضة في دوامة مؤتمرات واجتماعات وانتخابات، تفتتها ولا تجمعها. خطاب الانتصار البادي في نبرة التلفزيون الرسمي، والقنوات المؤيدة له، خفّف من وتيرة «الإعلام الحربي»، الذي جرى اللجوء إليه قبل أشهر، بالتوازي مع التهديد بضربة أميركية، وأعاد الشعور بالانتصار الكثير من برامج هذه القنوات إلى الهدوء، الذي كانت تدّعيه خلال السنتين الماضيتين، دون كثير من إقناع، فيما بات الآن نابعاً من إحساسها الحقيقي بابتعاد الخطر. وهذا ما أدّى إلى بروز بعض أصوات المُعارضة الداخلية على شاشاتها، ونبرات ما كان من المُرتقب سماعها على شاشة التلفزيون الرسمي، من طراز الدعوة إلى تفعيل المجتمع المدني، والعمل على تغيير النظام السياسي، والانتقال من الحزب الواحد إلى التعددية، والتداول السلمي للسلطة، وحتمية الحلّ بالحوار، مع متلازمة «مكافحة الإرهاب». في المقابل، يتضارب حال القنوات المُعارضة، ويغوص عدد منها في ارتباكات ملاحقة اللحظة السياسية والعسكرية، إلى درجة يمكن القول بانتقالها من ال «قضية»، إلى ال «تفاصيل»، وهو ما يتجلّى في أداء قناة «أورينت»، الأكثر مهنية واحترافاً بين القنوات السورية المُعارضة، اذ غرقت في الأيام الماضية بتفصيلين اثنين، يتعلّق أولهما بالصراع العسكري ضد «داعش»، وثانيهما بالصراع السياسي داخل «الائتلاف»، إذا صحّ وصف ما يجري فيه بأنه صراع سياسي! لا يصعب على المشاهد الانتباه إلى أن قناة «أورينت» تأخذ موقفاً مضاداً ل «داعش»، وتفتح المجال للهجوم الإعلامي على «الإئتلاف»، وفضائحه. يترافق ذلك مع غموض مصير عدد من القنوات المُعارضة، التي باتت الأخبار، تتناول مشكلاتها المالية وفسادها وإخفاقاتها، إلى درجة الحديث عن توقّف قناة «سوريا 18 آذار»، رسمياً، فيما شاشتها ما زالت تبثّ بعض برامجها، في تكرار طارد لمن تبقى من مشاهدين.