بينما كان موظف الإدارة في مركز مدينة تروا بشركة «فرانس تيليكوم»، يبلغ الموظف التقني خبر إلغاء وظيفته واضطراره، تالياً، إما الى الانتقال الى عمل على بعد 100 كلم أو الى ترك العمل، بادر الموظف التقني الى الانتحار. فأغمد سكيناً في صدره حال توجه المسؤول الإداري إليه بالكلام، بين زملائه. والحادثة المفجعة هذه هي الرابعة في أثناء الصيف، بعد حوادث مثلها بمرسيليا وبيزينسون ولانيون، في الشركة نفسها. وغداة قتل الموظف التقني بمدينة تروا نفسه، ألقت موظفة خامسة (32 سنة) بنفسها من نافذة مكتبها الباريسي، وقتلت فوراً. وعلى هذا، انتحر 32 موظفاً في غضون 18 شهراً. وخابت نحو 20 محاولة انتحار. وشركة تيليكوم هذه هي تاج صناعة الاتصالات. وإليها يعزى «مينيتيل»، الحاسوب الفرنسي الصغير الذي مهد الطريق الى الصناعة الالكترونية الفرنسية. وهي صاحبة البوابة الأوروبية الكبيرة على الشبكة. وحالها هذه دعت وزراء العمل والاقتصاد والموازنة، الى رئيس الجمهورية، الى التدخل، وإعلان العزم على المعالجة. وفسحة المعالجة ضيقة. فشركة القطاع العام كانت مرفقاً يعمل فيه، في 1996، 160 ألفاً، ويعمل فيه اليوم 100 ألف. وفي الأثناء، تحسنت نوعية الخدمات، وانخفضت كلفتها. وموضوع الانتقاد هو شروط المنافسة التي اضطرت الشركة الى قبولها وهي تنقلب الى الخصخصة. فمنذ 13 عاماً والشركة لا تستخدم «موظفين» على الصفة (الثابتة) هذه. والعاملون الحاليون معظمهم دخل العمل بموجب مسابقة، بين 1975 - 1985. وارتضوا مرتباً أقل من مرتبات القطاع الخاص، ولكنهم تمتعوا بمرتبة اجتماعية وتقنية دانوا بها الى التجهيز الهاتفي العام الذي تولوه. وفي أثناء الأعوام الثلاثة الأخيرة، عمدت الإدارة الى مناقلات شملت 10 آلاف مرفق تقني ومهني، وفرضت على عدد كبير من الموظفين نقل سكنهم فجأة من محل الى محل، أو تغيير عملهم واحتساب مرتبهم بناء على معايير جديدة. وأقرت الإدارة مناقلات عامة للموظفين كلهم مرة كل ثلاثة أعوام. ورفعت شعاراً للحملة: «آن أوان الحركة». فإذا بالعمل في مصلحة البريد والهاتف ينقلب رأساً على عقب. وكان يوصف ب «العمل الصغير والمطمئن»، فأصبح حقل المصائب الخمس: الإرهاق والمناقلة القسرية والحركة الدائبة والوضع في الحفظ والإحالة الى التقاعد. والإجراء الأخير يصيب أولاً أمهات لثلاثة أولاد ويعملن منذ 15 عاماً أو مديري مراكز بناء الخطوط الذين يحق لهم التقاعد في سن ال55. وفي الأعوام 2006 - 2009، قلصت الشركة، بحسب خطة أعلنتها سلفاً، جهازها العامل 22 ألفاً. * محرر، عن «لكسبريس» الفرنسية، 17/9/2009، إعداد وضاح شرارة