شهد العالم في السنوات الأخيرة قفزات طبية جبارة طاولت جميع الميادين، خصوصاً على الصعيد التقني التشخيصي الذي مكّن الطبيب من الغوص في أعماق الإنسان من أجل رصد بذور المرض أو الكشف عن امتداداته في دهاليز الجسم. ومن أهم الإنجازات التي حققها الطب رسم الخريطة الوراثية للجينات (المورثات) التي تحمل في قاعها الأسرار الدقيقة المتعلقة بالأمراض الوراثية وقابلية حدوث أمراض معينة، كضغط الدم، والنوبات القلبية، والداء السكري، والسرطانات. أيضاً تفيد الخريطة الوراثية في وضع العلاج الجيني للأمراض الوراثية وفي إنتاج مواد بيولوجية ومركبات هورمونية وعقاقير يحتاجها جسم الإنسان للنمو والعلاج. في السنوات القليلة المقبلة يتوقع ان يشهد الوسط الطبي قفزات نوعية نسلط الضوء عليها هنا. مرض الزهايمر. يأمل الباحثون في حلول عام 2020 تحديد الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بهذا المرض. وفي هذا الإطار استطاع فريق طبي دولي فك الأسرار المحيطة بدور الجينات في التسبب بمرض الزهايمر الذي لا يوجد له علاج ناجح حتى الآن. وقد استطاع الفريق التوصل إلى هذه النتائج من خلال مسح تمت فيه مقارنة 20 ألف جينة مأخوذة من مرضى الزهايمر، مع 20 ألف جينة مأخوذة من مسنين أصحاء. الدكتور جوناثان هينز، مدير مركز فاندربيلت الأميركي لأبحاث الجينات البشرية، وأحد الأطباء المشاركين في هذا الفريق قال: «إن المسح الطبي يعمل على تفهم الجينات ومعرفة علاقتها بالمرض، ولماذا تعد عاملاً مؤدياً للإصابة به»، موضحاً «أن لا بد من التعرف على الجينات المسببة للمرض وإيقافها أو إبطائها وتوفير الوقاية». وبناء على ما ذكرناه، فإن الأطباء سيتمكنون مستقبلاً من عمل اختبار دموي بسيط يجرى على الأشخاص المعرضين للخطر، من الذين يملكون تاريخاً عائلياً بالإصابة. وفي حال جاء الاختبار إيجابياً، فإن البحّاثة يأملون في وضع علاج فاعل قبل ظهور العوارض الأولية، وبالتالي منع المرض من التطور. زرع الرحم، في العام 2012 تمكن فريق طبي من مدينة ليموج الفرنسية من زرع رحمين لامرأتين بنجاح باهر. سيتم العمل في السنوات الخمس المقبلة من أجل تمكين المرأتين من الحمل، فإذا تكلل الأمر بالنجاح فإن هذا سيحمل معه أملاً كبيراً للنساء اللاتي يولدن من دون رحم أو اللواتي خضعن لاستئصال الرحم لأسباب مرضية، خصوصاً السرطان. زرع أسنان طبيعية، إذا كان لديك سن مكسور أو مخلوع وتريد أن تقول وداعاً للأسنان الاصطناعية والجسور، فإن تعويضها طبيعياً قد يصبح ممكناً في المستقبل القريب. هذا الأمل قد يتحقق بفضل العلماء البريطانيين الذين ابتكروا تقنية متقدمة تساعد في تنمية أسنان طبيعية جديدة بدل الأسنان المفقودة أو التالفة، وتتمثل هذه التقنية في استخدام الخلايا الجذعية (خلايا المنشأ) المأخوذة من جسم المريض نفسه، حيث يتم تحضير هذه الخلايا وتنميتها بطريقة معينة، ثم نقلها وزرعها في مكان السن المفقود أو المكسور، ليبدأ نمو سن جديد طبيعي مشابه تماماً للأسنان المجاورة. المقعدون سيمشون. لقد تم ابتكار أطراف اصطناعية ذكية بالغة الدقة يستطيع المشلولون أن ينزلقوا في داخلها ومن ثم يكبسون على زر موجود على جهاز تحكم ليمشوا بعد ذلك كما يحلو لهم. الليزر في عيادات أطباء الأسنان. حتى الآن هناك قلة من أطباء الأسنان الذين يستعملون الليزر في عياداتهم. السنوات المقبلة ستشهد غزو الليزر عيادات أطباء الأسنان، خصوصاً أنه غير مؤلم، ولا يصدر عنه أي صوت مزعج. جراحات الروبوت. من الآن فصاعداً ستغزو أجهزة الروبوت غرف العمليات الجراحية. فأذرع الروبوت التي تحمل العدة، كالمشرط وغيره، هي التي تصول وتجول في جسم المريض بإمرة الطبيب الذي يوجد في غرفة تحكم خاصة من أجل تحريك أذرع الروبوت كما يحلو له، فهذه الأخيرة مزودة بكاميرا ثلاثية الأبعاد، عالية الوضوح، تحتوي على عدسة مكبرة، تمكّن الجراح من تكبير منطقة الجراحة 20 مرة. ومن بين الميزات الأخرى لأذرع الروبوت أنها تتمتع بحرية الحركة في كل الاتجاهات وفي شكل دائري، ولا ترتعش بعكس قبضة اليد البشرية التي تبقى محدودة الحركة. إصلاح الأعضاء المريضة واستبدالها. فكرة تطوير قطع غيار بشرية داخل المختبرات كانت ضرباً من الخيال، إلا أن البحوث الخاصة باستخدام الخلايا الجذعية جعلت الفكرة في حيز الواقع، فهذه الخلايا تسمح الآن في بناء أنسجة وأعضاء حقيقية تزود المرضى ببعض قطع الغيار لإصلاح الأعضاء المريضة أو استبدالها. وبالفعل تم بنجاح تطوير عدد من الأنسجة في مختبرات خاصة، ستتم تجربتها في العيادات المتخصصة قريباً. ومن أهم الأعضاء التي سيجرى اصلاحها أو البحث عن بديل لها: المثانة. وهي أول عضو تم إنماؤه في المختبر وزرعه لدى مريض اعتباراً من خلايا جذعية أخذت من المصاب نفسه. الدماغ. استطاع باحثون من معهد التكنولوجيا الحيوية الجزيئية في النمسا تطوير أنسجة دماغية معقدة ثلاثية الأبعاد وصفوها ب «الأدمغة الصغيرة «، تبين لهم أنها تبقى على قيد الحياة لمدة لا تقل عن 10 أشهر. ويحاول العلماء حالياً استخدامها في درس الأمراض العصبية، وفي سبر تأثيرات العقاقير الجديدة فيها. الغدة النخامية. توصل باحثون يابانيون إلى إنماء غدد نخامية بالغة الصغر في المختبر بدءاً من الخلايا الجذعية التي تم استحضارها من أجنّة فئران. ويعكف البحاثة على استخدام الخلايا الجذعية البشرية في محاولة لتنفيذ التجربة نفسها لتطوير الغدة النخامية. العين. على رغم تعقيداتها البالغة، نجح علماء يابانيون أخيراً في إنماء بنية تعرف بالكأس البصرية، يبلغ حجمها نصف ميلليمتر فقط، وتحتوي على طبقات متعددة من الخلايا الشبكية، بما فيها الخلايا التي تساهم في عملية الإبصار. القصبة الهوائية. وقد تم تطويرها من الخلايا الجذعية، وجرى فعلاً زرع هذا العضو المبتكر بنجاح لدى امرأة. العظام. يعمل خبراء من جامعة كيلي البريطانية على تطوير مركب هلامي يفيد في إصلاح العظام المكسورة، ويحتوي الهلام على خلايا جذعية تملك جزيئات مغناطيسية بالغة الصغر تعلق بسطحها. التجارب ستباشر على المرضى في غضون السنوات الخمس المقبلة. الكبد. باحثون يابانيون توصلوا إلى إنماء أكباد بشرية صغيرة في المختبر والعمل جار من أجل الاستفادة منها في إصلاح ما خرّبه الزمن أو المرض. الكِلية. هناك تقارير مبشرة تفيد بأن العلماء استطاعوا إنماء كلية في المختبر اعتباراً من خلايا جذعية أخذت من مريض. القلب. تمكن علماء في الفترة الأخيرة من تطوير نسيج قلبي نابض من الخلايا الجذعية. وهناك محاولات ناجحة لتطوير قلب نابض لدى الفئران اعتباراً من خلايا جذعية بشرية. وقد تشهد السنوات المقبلة تطورات باهرة قد تسمح بمعرفة جسمنا في ما يشبه البث الحي المباشر بفضل وضع مجسات (أجهزة استشعار) تتوزع في أنحاء مختلفة من الجسم، بحيث يمكن من طريق كبسة زر قياس مستوى الكوليسترول في الدم، وكبسة أخرى معرفة أرقام ضغط الدم، وثالثة لكمية السكر في الدم، ورابعة لعد النبض، وخامسة لقياس درجة الحرارة، وسادسة لتحديد مستوى بعض الهورمونات، وسابعة من أجل زرق الدواء، وثامنة للإعلان عن موعد الإباضة (للنساء طبعاً). النانو يحاول العلماء حالياً ابتكار طرق جديدة شديدة البساطة من أجل سبر وعلاج أعتى الأمراض التي تفتك بالبشر تحت مسمى «طب النانو». ويقول روبرت لانجر أحد رواد طب النانو والذي يدير أكبر معمل للهندسة الطبية الحيوية في العالم في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في الولاياتالمتحدة: «إن التطورات التي حصلت دفعت الشركات للبحث عن وسائل جديدة لأن السبل الأقدم لاستخدام الأدوية لم تعمل بشكل جيد جداً». ويعمل الباحثون حالياً على مستوى الذرات والجزيئات بتقنية النانو التي تمكن من رصد الخلايا المريضة بدقة منقطعة النظير، ومن ثم الالتصاق بها والانصهار فيها لإفراغ حمولتها من الأدوية أو من المواد التي تسمح بإنجاز التصوير الطبقي المحوري الذي يمكّن من التشخيص قبل أن ينطق المرض بعوارضه. وتشهد تقنية النانو تنافساً محموماً من شركات الأدوية من أجل وضع أدوية على شكل كبسولات متناهية الصغر (لا يتجاوز قطرها أجزاء من البليون جزء من المتر) من أجل تحقيق أكبر فائدة عبر إيصال العقار إلى مكان وجود العلة بالضبط، وبالتالي تقليص الآثار الجانبية، خصوصاً تلك التي تنتج من الأدوية السرطانية. doctor [email protected]