التشكيل بواسطة الخُردة، أمر معروف على نطاق واسع، يمارسه عدد كبير من الفنانين حول العالم. فقطع الحديد المهملة وأكوام الخردة الصدئة قد تتحول إلى أعمال فنية وتماثيل ميدانية مدهشة تتحدى وسائط التشكيل الأخرى. لا يحتاج الأمر سوى الى بعض قطع المعدن القديمة وأدوات اللحام والتقطيع المعتادة، والأهم قريحة متقدة وقدرة على إعادة صوغ الأشياء أو النظر إليها في شكل مختلف عما هو متعارف عليه عادة. فقد تتحول قضبان الحديد الصلبة إلى أطراف لينة لكائن خرافي، وقد تتشكل رقائق المعدن وشرائحه الصدئة لتتحول إلى أجنحة أو عناصر بنائية في شكل تجريدي. رؤوس الخيول «تولد» من بقايا وأجزاء قديمة لسيارة أو غيرها من الأدوات المعدنية المهملة في شكل لم يخطر في بال. يتوقف الأمر فقط على مقدرة الفنان على الاكتشاف، والخروج بحلول مختلفة في تعامله مع هذه الأدوات والأجزاء المعدنية المهملة. وهي الفكرة التي اعتمد عليها سمبوزيوم القاهرة الأول لنحت حديد الخردة. وقد شارك في الدورة عشرة فنانين مصريين هم أحمد عبدالفتاح، أحمد موسى، أسعد سعيد فرحات، طارق الكومي، طه نصر، عبده رمزي، عُلا موسى، كمال الفقي، هاني السيد، هشام عبدالله. وعلى مدار أشهر عدة، حوّل المشاركون الحديقة الملحقة بمتحف محمود مختار إلى ورشة مفتوحة لتشكيل الخردة، وكانت علب وقضبان الحديد وغيرها من بقايا معدنية مهملة، كل ما اعتمد عليه الفنانون في صنع أعمالهم. ويعد السمبوزيوم، أول فعالية فنية تخصص لهذا المجال في مصر على رغم وجود هذا النوع من الصياغات الفنية المعتمدة على حديد الخردة والنفايات منذ بداية ستينات القرن العشرين على أيدي فنانين كثر، لعل أبرزهم صلاح عبد الكريم الذي كرِّم اسمه خلال الحدث بعرض أعماله جنباً إلى جنب مع أعمال السمبوزيوم. كما طبعت مجموعة من أعماله على «تي شيرتات» ارتداها الفنانون المشاركون أثناء فترة العمل في السمبوزيوم. ويعد عبد الكريم أحد أبرز المثّالين المصريين، وهو أول من اتجه إلى تشكيل التماثيل من قطع الحديد الخردة المجمعة عن طريق اللحام في مصر. وهو من مواليد عام 1925، ورحل في منتصف الثمانينات تاركاً مجموعة كبيرة من التجارب الفنية في مجالَي النحت والتصوير. وبدأ الفنان صلاح عبد الكريم بمجال التشكيل بالخردة في خمسينات القرن الماضي بعد حصوله على الجائزة الشرفية في بينالي ساوباولو (البرازيل) عام 1959، وحصل بعدها على كثير من الجوائز المحلية والدولية. واستطاع أن ينتزع تقديراً عالمياً في هذا المجال. وتعرض أعماله في مجال التشكيل بالخردة في متحف الفن المصري الحديث في القاهرة وعدد من الأماكن الأخرى التابعة لوزارة الثقافة المصرية. وعن أعمال الفنان صلاح عبد الكريم يقول الناقد المصري صبحي الشاروني: «تتعلق الإضافة التي حققها الفنان صلاح عبد الكريم بالانتقال من الخامات التقليدية لفن النحت إلى خامة لم يسبق استخدامها عند المثالين السابقين أو المعاصرين له. وقد فتح بذلك آفاقاً جديدة للتحرر والتجديد. وتميزت تماثيله المعدنية بمراعاتها قوانين الجمالية من توازن وتوافق وإيقاع بين الكتل والفراغات. وهي أعمال تشخيصية في معظمها». ويضيف: «تميز أسلوبه بالفهم العميق لخصائص الخامة واستيعاب منجزات الفن العالمي والتعبير عن مرحلة الاتجاه إلى التصنيع في مصر بعد ثورة يوليو، وكان الحديد رمزاً صريحاً لها، معبراً في الوقت نفسه عن اغتراب الإنسان المعاصر ورعبه من أسلحة الدمار الشامل، من خلال تماثيل الحيوانات الخرافية المفزعة».