أصر رئيس وزراء تركيا، رجب طيب أردوغان، أن يترك بصمته على آخر صفحة من الإعلام التركي في 2013، إثر اختتامه العام بسابقة في التعتيم. فهو أعطى أوامره بمنع الصحافيين من دخول مديرية الأمن العام في إسطنبول واقتلاع أجهزتهم للاتصال من غرفة الإعلام في المبنى وإغلاق الغرفة وتحويلها إلى مخزن. ويقول المراسلون المعتمدون لدى وزارة الداخلية الذين اضطروا إلى تسليم بطاقاتهم الصحافية ومغادرة المكان، إنهم «لم يشهدوا قمعاً إعلامياً مماثلاً، حتى أثناء الانقلابات العسكرية لم يُطرد صحافي من مديرية الأمن». لكن العام المشارف على نهايته شهد العديد من هذه القيود الأردوغانية، وصارت عبارات تهديد الإعلام أو توبيخه لازمة كل خطاباته أو تعليقاته على حادثة سياسية ما. من هذه «القيود- البصمات» طرد الكاتبة الصحافية المعروفة نازلي إيليجاك من صحيفة «صباح» الموالية للحكومة، بعد عقدين من دفاعها عن الإسلاميين وعن أردوغان نفسه، جزاء انتقادها عدم استقالة الوزراء الذين وردت أسماؤهم في التحقيقات في قضية الفساد والرشوة التي انفجرت الأسبوع الماضي. ولإدراك حجم هذه الخطوة وقسوتها، يجب التعريف بالسيدة نازلي التي قاربت على إنهاء عقدها السادس من العمر، وكانت رفيقة درب الزعيم الراحل نجم الدين اربكان في حزب «السعادة»، على رغم أنها ليست من الإسلاميين. وهي أكبر داعم لقضية حرية الحجاب في تركيا، على رغم أنها سافرة، هي التي ذاعت صورها وهي تواسي النائب مروة قاوقجي في البرلمان أثناء احتجاج الأتاتوركيين على دخولها البرلمان بالحجاب في 1999، وهي من وقف إلى جانب أردوغان في العقد الأخير بقلمها وكتاباتها، إذ كانت تدافع عن تجربة «حزب العدالة والتنمية». وعلقت نازلي على فصلها من عملها قائلة: «لم أطرد من عملي ككاتبة وصحافية إلا ثلاث مرات، الأولى خلال انقلاب 1980 على يد العسكر، وفي 1997 على يد العسكر خلال انقلابهم على أربكان، واليوم على يد أردوغان بعد تعليقي على حادثة اتهامات الفساد». ولا يستخف بأهمية هذا التعليق، وهناك من يعتبر أن واقع الإعلام في تركيا صار أليماً بعدما سيطر على شطر غالب منه المقاولون وأصحاب شركات البناء المتنفعون من مناقصات الدولة، وهم من المقربين إلى أردوغان. وإثر بيع مؤسسة «صباح» لأحد المقربين منه وتحالف مجموعة قناة «إن تي في» الإخبارية معه، بالإضافة إلى الإعلام الإسلامي القديم الذي انتعش مالياً، جاء الدور هذه السنة على مؤسسة «شوكوروفا» الإعلامية وصحيفة «اكشام» وقناة «سكاي» التركية وقناة «شو» التي كان يقدم نشرة أخبارها الصحافي المميز علي كيرجا الذي صار عاطلاً عن العمل بعد استغناء صاحب القناة الجديد عنه. وطُرد صحافيان مشهوران هما جان دوندار وحسن جمال، من صحيفة «مللييت»، نزولاً على طلب أردوغان، بعد اعتراضهما على سياساته في الملف الكردي. وهما من أقدم الكتّاب وأشهرهم في تركيا، كما اضطر عدد من الصحافيين والكتاب الأقل شهرة إلى تغيير مواقعهم بضغط من الحكومة ليعاد تشكيل وجه الإعلام التركي مجدداً ولم يبقَ أحد في مكانه، فيما انتشر الصحافيون الإسلاميون في كثير من وسائل الإعلام التي كانت تعرف بدعمها لليسار والأتاتوركية. 2013 كان عام حداد وحزن على الإعلام الحر والصحافة في تركيا في شكل عام، ليس بسبب ممارسات أردوغان ونهجه فحسب، بل بسبب رحيل الإعلامي البارز محمد علي بيراند، عميد الصحافيين الأتراك وأشهرهم، وهو أول من فتح باب تركيا على الأخبار الخارجية، من خلال لقاءاته مع قادة في العالم وتحقيقاته الصحافية المميزة في الداخل التركي.