فاجأ رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بلاده أمس، إذ بدّل رأيه في شكل أثار تساؤلات، في شأن ملاحقة عسكريين وكلّ مَن شارك في التخطيط لانقلاب سلمي أطاح حكومة الإسلامي نجم الدين أربكان العام 1997. وبعدما كان أردوغان من أبرز مشجعي مساءلة كلّ من ساهم في الضغوط الإعلامية والسياسية والعسكرية التي مورست على حزب «الرفاه» الإسلامي آنذاك، اعتبر أمس أن «الاعتقالات المتكررة في هذه القضية، تثير استياءً حقيقياً في الشارع وتهدد السلم الاجتماعي، ولا بد من إنهائها. نشعر بانزعاج خطر». وكان أردوغان يتحدث عن المجموعة الرابعة من الموقوفين على ذمة القضية، والتي أمرت محكمة أمس باعتقال 11 منهم، بينهم 6 جنرالات في الخدمة، أحدهم قائد الجيش الثالث في القوات البرية الجنرال بركاي تورغوت، و5 متقاعدين، وإطلاق 4، لينضم أولئك إلى ثلاث مجموعات سابقة من المعتقلين، ضمت الجنرال شفيق بير، النائب السابق لرئيس الأركان، والرئيس السابق للاستخبارات العسكرية إرول أوزكاصناك. واحتار ساسة وإعلاميون في تفسير سبب انقلاب أردوغان على موقفه من القضية، في هذا الشكل المفاجئ، خصوصاً أنه كان طالب قبل 10 أيام فقط، بتوسيع التحقيق ليطاول «متواطئين من صحافيين ورجال أعمال وساسة»، مشدداً على ضرورة «اجتثاث كلّ أصحاب الفكر الانقلابي». وفيما اعتبر صحافيون إسلاميون أن موقف أردوغان المفاجئ قد يأتي في إطار محاولة لإغلاق ملف محاكمة العسكريين، بعدما أزعج الرأي العام وضغط على الصحافة، في حملة بدت انتقامية، لفتت أوساط المعارضة إلى الخلاف بين أردوغان وجماعة فتح الله غولان الدينية التي تسيطر على القضاء، وتجهد لتصفية العسكر الانقلابيين. كما لفتت صحيفة «جمهوريت» المعارضة الى أن تصريحات أردوغان المطالبة بوقف الاعتقالات، أتت بعد مطالبة حزب «السعادة»، الوريث الرسمي لحزب «الرفاه» الذي رأسه أربكان آنذاك، بفتح ملفات التحقيق أمام الشعب في شكل شفاف، والبحث في دور الولاياتالمتحدة وإسرائيل في التحريض والتخطيط لإطاحة الإسلاميين من الحكم، خصوصاً أن الجميع يعلم أن علاقة الجنرال شفيق بير، المتهم الأول في القضية، كانت قوية جداً مع واشنطن، وأن أحد أساليب الضغط على أربكان لإسقاط حكومته، تمثّل في جعله يبرم اتفاق تحالف عسكري مع تل أبيب، إضافة إلى الترتيب لمناورات عسكرية تركية - أميركية - إسرائيلية في البحر المتوسط. ويُتّهَم شفيق بير وعسكريون آخرون معتقلون، بتأسيس «مجموعة العمل الغربي» التي قسّمت المجتمع بين إسلاميين وعلمانيين، وأعدت لوائح بأسماء حوالى 6 ملايين شخص، من بيروقراطيين وساسة وعسكريين ورجال أعمال وإعلاميين وأفراد مؤسسات اجتماعية غير حكومية، اعتبرتهم إسلاميين وسعت إلى حظر التعامل معهم أو طردهم من عملهم أو إغلاق مؤسساتهم. وهذه المجموعة هي التي وضعت قرارات اجتماع مجلس الشورى العسكري، المعروفة ب «قرارات 28 شباط (فبراير) 1997»، والتي أدت إلى حظر الحجاب في الجامعات وإغلاق مدارس تحفيظ القرآن ومئات من معاهد التدريس الديني والمصارف الإسلامية. كما أنها مُتهمة بفبركة أحداث وتضخيمها إعلامياً، لإشاعة مناخ من التطرف الديني في تركيا، والضغط على النواب لإسقاط الحكومة. إلى ذلك، أظهر استطلاع للرأي أعدّه معهد «متروبول» ونشرت نتائجه صحيفة «راديكال» الليبرالية، أن 67.7 في المئة من الأتراك يعتبرون أن ملاحقة منفّذي الانقلابات «مبررة وضرورية»، في مقابل 27 في المئة لا يؤيدونها. كما رأى 22.7 في المئة أن الملاحقة «عمل انتقامي» تنفذه الحكومة الإسلامية. وأكد 79 في المئة أنهم لن يساندوا أي محاولة انقلاب، أياً تكن دوافعها، فيما أعلن 17 في المئة استعدادهم لقبول انقلاب، وقال 26.7 في المئة إنهم لن يعارضوه إذا نُفِّذ.