عاشت تونس آخر الأسبوع الماضي على وقع الانتخابات الرّئاسية. ولئن مرت الانتخابات التشريعية في أجواء شبه عاديّة فإّن الرّئاسية شهدت مشاركة كثيفة من شباب تونسيين أشعلوا من خلالها المواقع الإجتماعية بحرب إلكترونية جمعت بين الجدية والطرافة. ويعود هذا الإهتمام بالانتخابات الرئاسية التي أجريت أمس الأحد لانحصار المنافسة بين ثلاثة مرشحين يمثلون الأحزاب الكبرى الثلاثة في تونس وهم الباجي قائد السبسي رئيس حزب «نداء تونس» والمنصف المرزوقي رئيس الجمهورية الذي يحظى بمساندة أنصار حركة النهضة وحمة الهمامي زعيم «الجبهة الشعبية» التي تضم أحزاب اليسار. ويعود الاهتمام الكبير بنتيجة الانتخابات الرّئاسية الى أهمية منصب رئيس الجمهورية، ليس فقط من حيث الصلاحيات التي منحها له دستور تونس الجديد، ولكن أيضاً لجهة توزيع الصلاحيات بين السلطات الثلاث أي رئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان والرئاسة الأولى. فحزب «نداء تونس» الذي حصل على أكبر عدد من مقاعد البرلمان يملك الآن أحقية ترؤس البرلمان وتشكيل الحكومة وبالتالي فقد نجح في افتكاك سلطتين من السلطات الثلاث. ويتصارع المتنافسون الثلاثة على «السلطة الثالثة» في محاولة من ممثل حزب النداء لتحقيق فوز كامل في انتخابات 2014 وفي محاولة لمنافسيه في إحداث نوع من التوازن بالفوز بمنصب رئيس الجمهورية لمنع ما وصفوه ب «تغوّل» حزب واحد على كل السلطات. وعبارة «تغوّل» التي أطلقها رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي لوصف إمكان سيطرة حزب «نداء تونس» وهيمنته، استغلها أنصار هذا الحزب ليؤكّدوا قوّتهم وقدرتهم على الفوز فقاموا بنشر لافتات تحمل صور زعيمهم السبسي كتب عليها «انتخبوا الغول»! واختار أنصار المرشّح حمّة الهمامي من جهتهم شعار حملة هذا الأخير «حمّة ولد الشعب» أي حمة ابن الطبقة الشعبية مستخدمين الانترنت بكثافة للدعوة الى انتخابه خصوصاً بين الفئات الشابة. ونشر هذا الشعار على كلّ الصفحات المساندة لمرشح «الجبهة الشعبية» وتحوّل «ماركة مسجلة» يمنع استعمالها من بقية المترشحين، اذ اتّهم أنصاره المنصف المرزوقي بسرقة هذا الشعار حين قال في أحد لقاءاته المباشرة مع أنصاره « أنا ابن هذا الشعب»، وطالبه أنصار الهمامي بالكفّ عن استغلال «شعار حمّة» كما استغل أنصار الهمامي هذا الشعار بوضعه على صورهم أو استعماله بطريقة فيها الكثير من الطرافة على صور أخرى بتغيير بعض الأحرف ليتحول موقع «فايسبوك» إلى فضاء للتندر وتبادل الصور والشعارات. وقد شهدت هذه الموجة من نشر الصور والشعارات مشاركة رياضيين ومثقفين وفنانين. المرزوقي الذي يحظى بمساندة أنصار «حركة النهضة» اختار لحملته الانتخابية شعار « أنتصر أو أنتصر». وقد سارع أنصار منافسي المرزوقي الى نشر معلومات على موقع فايسبوك تفيد بأن هذا الشعار «مسروق» من حملة رئيس ساحل العاج السابق لوران غباغبو الذي عرف بكثرة خروقه القانونية. كما أكّد ناشرو هذه المعلومة أن عبارة «أنتصر أو أنتصر» هي في الأساس نداء للحرب عرف في ساحل العاج مشيرين إلى تهديد المرزوقي للشعب التونسي بإعلان الحرب مع جمهوره من السلفيين وأنصار «حزب النهضة». ولم يدّخر أنصار المرزوقي جهداً في نشر فيديوات وصور تسخر من كبر سنّ مترشح حزب النداء السبسي الذي يبلغ 89 سنة ناعتين إياه ب «جدّ» التجمعيين الذي يريد أن يقتل «ثورة 14 جانفي» ليعيد أجهزة نظام بن علي الى العمل. اعتماد السخرية على المواقع الإجتماعية للتّعبير عن أفكار ورؤى سياسية أمر ليس بجديد على التونسيين. فالتفاعل على المواقع الإجتماعية وخصوصاً على موقع فايسبوك أصبح عادة تمكّن من خلالها أطراف عديدة من التأثير على شريحة كبيرة من التونسيين الذين تملك قرابة نصفهم حسابات على هذا الموقع. وتفاعلا مع هذا الإهتمام المبالغ فيه بالمواقع الإجتماعية نظّم عدد من المرشحين للانتخابات الرئاسية ومن بينهم السبسي ومصطفى كمال النابلي حوارات مباشرة مع التونسيين على موقع « تويتر» عرفت مشاركة مكثفة من مناصري المترشحين أو مناصري منافسيهم انتهت بتبادل السباب والشتائم بين الطرفين.