نظراً إلى وجود عطل ما يعرقل خطوات رسمية لاعتبار جماعة «الإخوان المسلمين» جماعة إرهابية، وبما أن وزراء ومسؤولين يستشعرون الحرج لسبب ما غير معلوم في التعامل مع عنف طلاب «الإخوان» وصفاقة طالبات الجماعة ودموية مسيرات القواعد وهمجية تظاهرات أنصار الشرعية والشريعة، ولأن المصريين ممن حسموا أمرهم في ما يتعلق ب «سماحة الإخوان» و «سلمية الأخوات» و «شرعية مرسي» و «شريعة» جماعته، لم يكن يقلقهم سوى بقاء بعضهم في المنطقة الرمادية، حيث «أنا مش إخوان بس باحترمهم» والمنطقة الضبابية حيث «وعلى فكرة أنا مش إخوان»، جاءت أحداث وحوادث الأيام القليلة الماضية لتضع كلمة النهاية أمام مواقف البين بين. فبين وزراء يروجون لضرورة دمج الجماعة، ومسؤولين ينتهجون نهج الأيادي المرتعشة والأرجل المرتجفة، وطامحين يغازلون أصوات ناخبين «بتوع ربنا» طمعاً في انتخابات رئاسية مقبلة أو برلمانية مرتقبة، وقاعدة عريضة من المصريين طفح بها كيل الجماعة وأوشكت على الانفجار غضباً من سلمية التظاهرات التي تخلف مصابين، وشرعية المسيرات التي ينتج عنها قتلى، واستكانة الهتافات التي تحتوي شتماً وسباً ولعناً، وشخبطة الكتابات التي تقتصر على التجريح والتخوين والتحريض، أخذت الصورة تتضح أكثر فأكثر وشارف المشهد على الانكشاف كلية. كلية الهندسة ومعها كليات أخرى يعربد فيها طلاب منتمون أو محسوبون أو متعاطفون أو منفذون لخطط وتكتيكات جماعة «الإخوان» يساهمون من دون أن يدروا ويشاركون من دون أن يعرفوا في توضيح المشهد وتبيان الصورة وإنهاء اللغط والقضاء على ميوعة المواقف وسخافة التبريرات. التبرير «الإخواني» بأن طلابهم يقاومون «الانقلاب» وأن طالباتهم يجاهدن من أجل «شرعية أمير المؤمنين» وأن الشعب يدافع عن «دستوره» الإخواني وأن العمال يعتصمون من أجل «عودة رخاء عصر مرسي وازدهار زمن الحرية والعدالة»، بات أشبه بعود الكبريت الذي يلقيه «الإخوان» بتحالف شرعيتهم وقواعد جماعتهم ومتعاطفي مشروعهم على حقل شعبي بات سريع الاشتعال قابلاً للانفجار. انفجار الموقف المصري الشعبي لم يكن واضحاً كما وضح في أثناء تشييع سائق الأجرة الذي تم ذبحه على أيدي مشاركين في مسيرة «إخوانية» وحرق سيارته في المنصورة عقاباً له على الموبقات التي اجتمعت في سيارته، بدءاً بصورة الفريق السيسي ومروراً بإطلاق آلة التنبيه وسط المسيرة وانتهاء برغبته في المرور، إذ تحولت الجنازة مسيرة شعبية تهتف بحرقة بالغة وغضب عارم: «الشعب يريد إعدام الإخوان». «الإخوان» الذين لا يصدر عنهم بيان تنديد أو إعلان شجب أو إشارة رفض لأي من العمليات الإرهابية التي ينتج عنها استهداف ضباط أو تفخيخ جنود أو قنص أفراد أمن باتوا الوجه الآخر لكل تلك العمليات. لم يعد المصريون ينتظرون حكم محكمة أو تقرير لجنة تقصي أو تحقيق وكيل نيابة لتوجيه أصابع اتهام أو أدلة إدانة إلى جماعة أو مجموعة تستهدف أمن مصر، بل بات رد الفعل التلقائي عقب تفخيخ سيارة أو تفجير عبوة أو قنص ضباط هو «ربنا ينتقم من الإخوان» وعلى أحسن تقدير يضيفون «وأعوانهم». أعوان «الإخوان» الذين يعضدون مطالبات عودة الرئيس المعزول محمد مرسي ويرفعون رايات ناعتة الجيش بالخيانة والشرطة بالبلطجة والشعب بالعبودية، يساهمون بقدر هائل في توضيح المشهد والقضاء على ما تبقى من التباس. لم يكن هناك ما هو أوضح ولا أسرع ولا أكشف من تعليقات المصريين بينما يتابعون جنازة النقيب أحمد وحيد الذي قُتل برصاص مسلحين في الإسماعيلية، فرغم عدم ضلوع الجماعة مباشرة، أو التأكد من أن الفاعلين متعاطفون معهم صراحة، لم تخرج التعليقات عن «ربنا ينتقم من الإخوان... يقتلون شباب الضباط» و «حسبنا الله ونعم الوكيل في جماعة قالوا إنهم بتوع ربنا ويستهدفون شرطة البلاد» وغيرها، مما يثبت أن الشعب دان «الإخوان» قبل أن تدينهم التحقيقات والإجراءات. إجراءات الحكومة وتحقيقات النيابة وأحكام القضاء وارتعاشات الوزراء وارتجافات المسؤولين ومغازلات الطامحين في وادٍ، وقرارات المصريين في وادٍ آخر. هذا الوادي الأخير هو ما يتم تمهيده وتهيئته عبر قرابين ثمينة تقدمها الجماعة وحلفاؤها من دون أن يدروا. العنف الواضح والعدوانية الصريحة والإرهاب الأكيد بدرجاته المتراوحة بين منع أساتذة وطلاب وموظفي الجامعات من الدخول، والاعتداء على المواطنين لاستشفاف الغضب أو الاحتقار أو العداء، والشماتة في قتل الضباط واستهداف الجنود، كلها عوامل تساعد على تخلي من كان يرى فيهم «شركاء الوطن» أو يعتبر كوادرهم «ظلمت وقهرت» أو يتعاطف مع قواعدهم بداعي التغييب والخطف الذهني أو يتمسك بتلابيب «أصلهم جماعة دعوية»، عن مواقفهم البين بين. هي من المرات القليلة التي يجد فيها المصريون أنفسهم متقدمين على الحكومة بخطوات عدة. الغالبية حسمت أمرها، والأكثرية قالت كلمتها لكن الحسم الشعبي يحتاج تفعيلاً رسمياً، والكلمات وحدها لا تصنع قرارات. وبينما الحكومة منقسمة على نفسها بين «مطبطب» على الجماعة و «مندد» بقواعدها و «متنزه» عن التعليق، يبدأ المصريون في إطلاق عد شعبي تنازلي يؤذن بغضبة لم تتحدد معالمها بعد، أو تتضح أبعادها حتى الآن، أو تُكشف خطواتها حتى اللحظة. نفد الصبر وزاد الهمّ وتفجر الغضب واقتربت الذكرى الثالثة لثورة «العيش والحرية والعدالة الاجتماعية» حيث مؤشرات بركوبة «إخوانية» جديدة، وسكينة حكومية مقيتة، وغضبة شعبية أكيدة.