اتهامات متبادلة بالغباء السياسي. تخوينات مرتدة بالعمالة للغرب والخنوع للعرب. تأكيدات يقينية بأن الحبل آخذ في الالتفاف حول رقبة الآخر. وعود متبادلة بتجهيز المفاجآت وتوليف الصدمات من حيث لا يحتسب الآخر. أدوات مضادة وأسلحة فتاكة واستعدادات جبارة ليوم يخرج فيه المنتصر وقد بات قاب قوسين أو أدنى من نهائيات الصراع في مصر. الصراع في مصر المختزل هذه الساعات في حرم جامعة الأزهر ليس سوى انعكاس مصغر لما هو آت. تأجيل الدراسة تحسباً ل «عماد الثورة» الإخوانية، ثم بدؤها بكثير من الترقب والحذر، ثم حدوث المتوقع من تحول «عماد الثورة» الإخوانية إلى «وقود» إثارة الفوضى وتعميم العنف وهو المشهد الذي تجلى أول من أمس بطلاب «الإخوان» وهم يلقون بأجهزة الكومبيوتر من النوافذ ويخلعون أجهزة التكييف ويدمرونها، ويتخلصون من مستندات وأوراق المكاتب الإدارية، ويكسرون المقاعد ويستخدمونها أسلحة هجومية، ويكتبون كل أنواع الشتائم والسباب لشيخ الأزهر ورئيس الجامعة وبالطبع وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي حيث العبارات المزمنة «قاتل سيسي» و «الانقلاب هو الإرهاب». إرهاب طلاب «الإخوان» في رحاب جامعة الأزهر تكلل بعبارة إضافية غطت جدران الجامعة الأشهر في العالم الإسلامي حيث أكد الطلاب «عماد الثورة» أن «طلاب الإخوان مش بلطجية»، وعرّى متطوعون منهم أنفسهم أمام قوات الشرطة بعدما أكدوا كتابةً على الجدران ورسماً على مكاتب الإدارة: «إسلامية إسلامية». وبعد قطع الطريق في الاتجاهين تأكيداً على سمو الشرعية، وإشعال الشماريخ ترسيخاً للشريعة، وشتم ضباط الجيش والشرطة وكل من رفض حكم «الإخوان» دعماً للخلافة الإسلامية، والتأكد من إلحاق أكبر كم ممكن من الدمار والخراب ببنايات الجامعة حيث يتلقون العلم ويتعلمون الفقه ويتلون القرآن الكريم، هتفوا: «سلمية سلمية» مع وعد بتجدد اللقاء اليوم وفي شكل متكرر ومتصاعد وصولاً إلى الاثنين المقبل موعد محاكمة أول رئيس مدني منتخب الذي بات أيضاً ثاني رئيس مصري يضعه شعبه في قفص الاتهام. قفص الاتهام الذي تسعى جماعة «الإخوان» من خلال «عماد ثورتها» وفي أقوال أخرى «وقودها» من طلاب الجامعات والمدارس الثانوية وما تيسر من ألتراس، منع مرسي من الوصول إليه هو قفص الاتهام نفسه الذي تمني ملايين المصريين نفسها باستقباله لمرسي يوم الإثنين الفاصل في صراع المصريين و»الإخوان». صراع المصريين و»الإخوان» الدائرة رحاه الإحمائية والمتجسدة أبعاده الفوضوية في رحاب جامعة الأزهر والمتجلية في فعاليات اليوم الجمعة التي بات من تبقى من رؤوس الجماعة المدبرة يمتنع عن الإعلان عنها حفاظاً على عنصر المفاجأة واحتراماً لمبدأ المراوغة وأملاً بتشتيت قوات الأمن لعل القواعد تنجح في اقتحام ميدان أو الاعتصام في أمان أو نشر الفوضى في كل مكان. الرهان الذي تضعه الجماعة حالياً اقتصر على طلاب الجامعات، لاسيما جامعة الأزهر. وحتى ولو باء الهدف السامي الأصلي بالفشل في تعطيل الدراسة تحت ضغط العنف والفوضى والخراب من قبل طلاب «الإخوان» وحلفائهم، فإن الهدف الأسمى والأكبر حالياً يتجه صوب يوم الإثنين حين يكرم «الإخوان» أو تهان الجماعة ورئيسها ومشروعها. مشروع الجماعة الذي بات معلقاً في رقبة «أسبوع الصمود» الذي تصب فعالياته التظاهرية وعملياته الفوضوية وأفعاله الخزعبلية باتجاه المحاكمة لا يخلو من مناوشات عاطفية وجهود استعطافية. فمن عرض لمسيرة مرسي «الإخواني» من السجن إلى السجن مروراً بالقصر، إلى عرض لمشوار عصام العريان «الخلوق الذي أحبه الناس واعتقله الانقلابيون»، إلى تذكرة على مدار الساعة ب «مجزرة الساجدين» و «موقعة الراكعين» و «محرقة المتوضئين»، إلى سلاسل بشرية من عشرات من أنصار الشرعية والشريعة هنا وهناك للدعاء على كل من تمرد ونزل وفوّض وهلل لسقوط حكم الجماعة. السقوط المدوي لحكم الجماعة لا ينافسه في الصخب إلا ذلك الصادر من أمل «الإخوان» الأخير قبل العودة مجدداً للعمل تحت الأرض. تشتيت الأمن بتظاهرات في مناطق متباعدة، وشغل المسؤولين باقتحام الجامعات، وإرباك التخطيط الرسمي بمحاولات احتلال ميدانَي «رابعة» و «النهضة»، وتدمير المباني واقتحام المنشآت، مع الإبقاء على المقبلات اليومية من إطلاق نيران على مكمن أمني هنا أو قتل ضابط شرطة هناك قد تساهم في عملية كسر «انقلاب الإرادة الشعبية»، أو تعطيل محاكمة مرسي، أو لفت أنظار الرأي العام الغربي إلى لافتات «نو كو، برو ديموكراسي» (لا للانقلاب، مع الديموقراطية) كلها خطوات وإجراءات وتمرينات إحماء تجري في الساعات ال72 الأخيرة قبل يوم المحاكمة. وعد «الإخوان» بأن يكون يوم المحاكمة يوماً تاريخياً. ويكفي أن مرسي، كما أكدت النائبة «الإخوانية» في مجلس الشعب المنحل عزة الجرف على موقع «إخوان أون لاين»، «سيفضح الانقلابيين من دون كلام، فما بالك إذا أتيحت له فرصة الكلام في المحاكمة». المفاجأة الأخرى هي «عودة دولة الإسلام» إلى مصر من جديد، وهي العودة التي دفعت كثيرين إلى التساؤل عن توقيت العودة، لا سيما أن أحداً لم يبلغ بخروج الإسلام من مصر. وتتوالى المفاجآت «الإخوانية»، إذ أكد محبون للجماعة أن ابتسامات قيادات «الإخوان» أثناء إلقاء القبض عليهم «تقتل الانقلابيين»، وأن أصابع «رابعة» تخنقهم، وسيرة مرسي تكدرهم، وعبارة «الله أكبر» تكسرهم. وفي انتظار مفاجآت المحاكمة، وما يجهزه كل فريق للآخر من ألعاب وأفكار وإبداعات، يتراشق الطرفان باتهامات الغباء وتلويحات الخيانة وتنابزات التاريخ والهوية حيث مصر وسبعة آلاف سنة حضارة في مواجهة جماعة و80 سنة. مصر تنتفض ضد الجماعة، والجماعة تنتحب على ضياع حكم مصر، ومرسي يتأهب للمحاكمة.