تحولت جوبا عاصمة جنوب السودان إلى ساحة حرب أمس، بعد تجدد الاشتباكات الدامية في مواقع عدة بين قوات من الجيش موالية للرئيس سلفاكير ميارديت وأخرى تساند منافسه رياك مشار، غداة الإعلان عن إحباط «محاولة انقلاب» نفذها الأخير. ودفعت الاشتباكات المستمرة لليوم الثالث على التوالي، حوالى 13 ألف مواطن إلى اللجوء إلى قاعدتين للأمم المتحدة وسط معلومات متضاربة عن سقوط عشرات القتلى ومئات المصابين. وظهرت بوادر انقسام داخل جيش جنوب السودان، بعد اتساع نطاق الاشتباكات لتشمل التراشق بأسلحة ثقيلة، فيما خلت شوارع العاصمة من المارة والسيارات. وقال شهود إن مدينة جوبا تحولت إلى ثكنة عسكرية كبيرة، حيث استمر إغلاق المطار، كما فرضت قيود على الاتصالات الهاتفية، وانتشر جنود في الطرقات وأقاموا حواجز تفتيش. وأشارت تقارير إلى تعرض مواطنين لاستفزازات في ظل حملات دهم لمنازل تشتبه السلطات في أنها تؤوي متورطين في المحاولة الانقلابية. وقال معارض بارز في جوبا في اتصال هاتفي مع «الحياة» إن التوتر في العاصمة انتقل إلى ولايات تشهد تمرداً، وأخرى كانت هادئة نسبياً. ولم يستبعد المصدر ذاته، اتساع نطاق المواجهات نتيجة استقطاب قبلي داخل الجيش بين موالين لسلفاكير وأنصار نائبه السابق مشار. وأكد وزير الدولة لشؤون الصحة ماكور كوريون سقوط 26 قتيلاً على الأقل في الاشتباكات الدائرة منذ مساء الأحد، إضافة إلى 140 جريحاً أدخلوا إلى المستشفيات. غير أن مصادر طبية في مستشفى جوبا الرئيسي، أشارت إلى مقتل 66 جندياً. وقال مسؤول في بعثة الأممالمتحدة في جوبا ل «الحياة» إن عدد القتلى من العسكريين والمدنيين تجاوز المئة شخص، فيما ناهز عدد المصابين ال300. وحضت ممثلة الأممالمتحدة في جنوب السودان هيلدا جونسون، أطراف القتال على تفادي أي أعمال عنف على أساس إثني أو قبلي. وشددت على ضرورة «انضباط قوات الأمن». ولفتت جونسون في بيان إلى أن حوالى عشرة آلاف مدني احتموا بمجمعي بعثة الأممالمتحدة في جوبا، في حين قال المندوب الخاص للأمم المتحدة في جنوب السودان توبي لانزر إن حوالى 13 ألف شخص لجأوا إلى مراكز للمنظمة الدولية. وشنت السلطات في جنوب السودان حملات اعتقال واسعة، طاولت سياسيين وعسكريين، وشملت إلى جانب الأمين العام للحزب الحاكم باقان أموم، كل من حاكم ولاية الوحدة السابق تعبان دينق والسفير ازيكيل جاتكوث ووزير البيئة السابق الفريد لادو غور وحاكم البحيرات شول تونغ مايايا، ونائب وزير الدفاع السابق ماجاك أقوت ووزيري الأمن والداخلية السابقين واياي دينق أجاك وقيير شوانق، إضافة إلى وزير الشباب شيرنيو أتينق. وأكد وزير خارجية الجنوب برنابا ماريال بنيامين أن قوات الأمن تعمل حالياً على التخلص من بقايا أنصار نائب الرئيس السابق رياك مشار. لكن ربيكا قرنق أرملة زعيم حزب «الحركة الشعبية» الراحل جون قرنق اعتبرت أن ما جرى: «لا يعدو كونه انشقاقاً داخل صفوف الجيش»، متهمة سلفاكير ب «قيادة الجنوب نحو ديكتاتورية جديدة». وقالت ربيكا في تصريحات من منزلها في جوبا إن مشار «رجل ديموقراطي ولا يمكن أن يفكر بانقلاب». وأعاد الصراع إلى الأذهان، الانقسام داخل «الحركة الشعبية لتحرير السودان» في تسعينات القرن الماضي حين قاد مشار مجموعة منشقة خاضت معارك مع موالين لقرنق. وينتمي مشار إلى قبيلة النوير المنافسة للدينكا، قبيلة سلفاكير المهيمنة في جنوب السودان.