بهدوء وبلا وداع، ولكن بحب وسيرة خالدة بالثقافة والأدب رحل مجدد الساحة الشعبية في دول مجلس التعاون الإماراتي محمد خلف المزروعي، الذي يشغل منصب رئيس لجنة المهرجانات في هيئة أبوظبي للتراث والثقافة ومستشار الثقافة والتراث في ديوان ولي عهد أبوظبي الخميس قبل الماضي، إثر حادثة مرورية بالقرب من إمارة أبوظبي، تاركاً خلفه سيرة تراثية وثقافية كبيرة، أسهمت في تغيير خريطة الشعر العربي بشقيه الفصيح والشعبي. ويعتبر المزروعي مجدداً ومنقذاً للساحة الشعبية من احتكار المجلات الشعبية، التي كانت تفرض الأسماء الشعرية على الساحة، الأمر الذي جعل الشعر الشعبي في الخليج يحتضر، إلا أن المزروعي منحه الدواء ونقله إلى الفضاء، بإطلاق برنامج «شاعر المليون» في عام 2006 على قناة أبوظبي، وخصص جائزة مليون درهم للفائز بلقبه. وبإطلاق «شاعر المليون» الذي يقف خلفه المزروعي عادت الحياة إلى الساحة الشعبية، وتساوت الفرص للشعراء، وتفوقت الموهبة والإبداع، واختفت الواسطة التي كانت تنخر في جسد الشعر من شلة أصحاب المجلات، وأصبح الشاعر الشعبي لا يختلف عن اللاعب والمطرب والممثل من ناحية المال والشهرة، حتى أن شعراء شعبيين تفوقوا في الإعلام، بسبب آليات وضوابط «شاعر المليون» التي وضعها المزروعي. وليس الشعراء الذين يبكون ويذرفون الدمع على محمد المزروعي، بل إن الوسط الثقافي الخليجي والعربي ينعونه، كونه داعماً للمثقفين والأدباء في الوطن العربي، ومناصراً للقضايا الثقافية والأدبية في المنطقة.ولم يتوقف دور المزروعي على الشعر والأدب، إذ يؤكد عدد من المقربين منه وقوفه وحله لعدد من القضايا الإنسانية، سواء لإماراتيين أم خليجيين أم عرب، وحتى المقيمين في الإمارات قدم العون والمساعدة لهم. يقول عضو لجنة تحكيم برنامج «شاعر المليون» الكويتي بدر صفوق: «فقدت اليوم أخاً وصديقاً لا يتكرر. رجل قلبه بمساحة الإمارات وبيوتها وقلوب أهلها». ويذكر عبدالله المصعبي وهو أحد المقربين من المزروعي أن الفقيد كان كافلاً للأيتام ومساعداً للمحتاجين، «ما عرفت عنه غير الخير والوطنية والأصالة، ومن الصعب أن أذكر حسناته». وكتبت الشاعرة سعدية مفرح عبر حسابها في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: «خالص العزاء لأسرة الفقيد وللساحة الثقافية في الإمارات ولجميع الإماراتيين بوفاته»، بينما يقول الإعلامي الإماراتي حمد الحوسني: «كنت في الرياض وكان محمد خلف المزروعي يتصل بي ويوصيني بالذهاب للمستشفى وزيارة الشاعر سيف السهلي للاطمئنان عليه». ولد المزروعي عام 1969 في مدينة زايد في المنطقة الغربية في إمارة أبوظبي، واهتم منذ صغره بالبيئة الطبيعية وخصوصاً الصقارة والأدب العربي بأشكاله المكتوبة والشفهية. وبعد أن أنهى تعليمه الحكومي تابع دراسته في الولاياتالمتحدة وتخرج بدرجة الماجستير في الإدارة من ولاية أوريغون. وشغل المزروعي منصب المدير العام لهيئة أبوظبي للثقافة والتراث، وتولى سابقاً رئاسة مجلس إدارة شركة أبوظبي للإعلام، وكانت له جهود في الحفاظ على التراث والاهتمام بالثقافة. وفي إشرافه أطلقت هيئة أبوظبي للثقافة والتراث اثنين من أنجح البرامج التلفزيونية في العالم العربي «شاعر المليون» للشعر النبطي الشعبي و«أمير الشعراء» للشعر الفصيح. وخلال أقل من عامين من عمر الهيئة تم إطلاق «مهرجان أبوظبي للسينما» و«أكاديمية نيويورك - أبوظبي للفيلم» ومهرجان «أنغام من الشرق» و«جائزة الشيخ زايد للكتاب» ومشروع «كلمة» للترجمة، إضافة إلى إحداث نقلة نوعية في تنظيم معرض أبوظبي الدولي للكتاب، ومشروع «موسيقى أبوظبي الكلاسيكية»، ومهرجان «مزاينة الظفرة»، ومهرجان ليوا للرطب، ومجلة «شواطئ» باللغتين العربية والإنكليزية، وتأسيس «أكاديمية الشعر» و«بيت العود العربي». آخر كلماته: حافظوا على وطنكم قدّم محمد خلف المزروعي الكثير لوطنه الإمارات ولتراثها وثقافتها، وجعلها تحضر بقوة بين الدول العربية والأجنبية بعاداتها وتقاليدها وماضيها وحاضرها. وكانت آخر الكلمات التي قالها المزروعي في «يوم العلم» قبل أيام عدة، دعوة أبناء الوطن إلى الاعتزاز بوطنهم ورفع علمهم عالياً رمزاً للازدهار. وقال مستشار الثقافة والتراث في ديوان ولي عهد أبوظبي محمد المزروعي: «نجتمع اليوم تحت راية علَّمتنا خلال الأعوام الماضية معنى حبّ الوطن والبذل في سبيله. علَّمتنا الوفاء والولاء لقيادتنا الرشيدة، والإيمان بالجذور المشتركة والمصير المشترك، والاعتزاز بتاريخنا وقيمنا الأصيلة». وأضاف: «الجيل الجديد من أبنائنا يفخر بأنّ علم بلادنا الذي رفعه لأول مرة المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وإخوانه المؤسسون، طيّب الله ثراهم جميعاً، سيظلّ رمزاً للنهضة والازدهار جيلاً بعد جيل».