منذ انطلاقته الأولى العام الماضي تميز برنامج شاعر المليون الذي اولاه سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، في دولة الامارات العربية المتحدة جل اهتمامه ومتابعته وأغدق عليه الدعم اللامحدود، وتبنته هيئة أبوظبي الثقافة والتراث وحظي بمتابعة حثيثة ومستمرة من مديرها العام سعادة محمد خلف المزروعي الذي كان لجهوده الأثر الإيجابي الكبير للمراهنة على نجاح هذه الفكرة الجديدة المتميزة والذكية، مما جعل هذا البرنامج القائم على التنافس الترفيهي نافذة حقيقية، يطل منها المشاهد العربي على لون جميل وشعبي من الشعر العربي المعروف بالشعر النبطي. ومن الغريب في الأمر أن يتناول بعض الزملاء من الكتاب في أعمدتهم الصفحات الثقافية (برنامج شاعر المليون) على أن شعراء البرنامج فاقدو مقومات الاعتزاز وانهم يتغنون بأوجاع وهزائم أمتنا، ونهمس في آذانهم ونقول بأن الشعراء هم لسان أقوامهم، وأمتنا تتجرع كأس الهزائم في مرحلتها الحالية، فما كان من الشعراء إلا وصفهم للحال والتغني بالهزائم وهذا ليس عيبا منهم، بل أنه عيب أمتهم التي أجادت فن الهزائم والتراجع، فلماذا نلوم شعراءنا في وصفهم للحال، والتي هي فن الرقص على الجرح!! ويذكر لنا التاريخ العربي حيث يكتشف شاعر في مكان ما..كان العرب يحتفلون بولادة شاعر باشعال النيران في قمم الجبال وهي دلالة على أن هناك شاعرا قادم وهي بمثابة إعلان رسمي عن ولادة إيدلوجية جديدة. وقد فعل القائمون على البرنامج حسنا بهذه الفكرة الذكية الرائعة التي تذكر المواطن العربي ببعض تراثه وأدبه وبجزء من مخزونه الثقافي الكبير، الا ان ما يدعو إلى الاستغراب والاستهجان، هو حالة (الاستنساخ) التي تعمدتها بعض القنوات التلفزيونية لبرامج مماثلة مما افقد هذا الابداع بريقه عندما راحت هذه القنوات الفضائية تقلد البرنامج المذكور الناجح والذي لاقى حضورا جماهيريا كبيرا منقطع النظير، وارتفع بالذائقة الشعرية وقام بعملية فرز الغث من السمين، حيث أكد هذا البرنامج المسئولية الكبيرة على كل من يلقب بشاعر وكان ذلك واضحا في النسخة الأولى من البرنامج التي كانت ناجحة وصنعت للبرنامج شعبية كبيرة ونادرة قد تكون الأوسع بين البرامج الشعبية الخليجية، دون محاباة شاعر على حساب آخر، وقدم البرنامج للساحة الشعبية قامات شعرية وقيما أدبية كبيرة، واكتشف مواهب واعدة، سواء من الشعراء أو من مقدمي البرامج لمثل هذه الفعاليات وكذلك قدم البرنامج أسماء في مجال النقد الأدبي للشعر النبطي، مجموعة من النقاد على قدر عال من الحرفية والمهنية والدراية، اضافة إلى حالة التواصل الإنساني والاجتماعي والحضاري والمعرفي بين الشعوب العربية دون اختصاره على منطقة الخليج. وهكذا قتل التقليد الاعمى لفكرة شاعر المليون جمالية هذه الفكرة وحولها مع الاسف إلى وسيلة للربح المادي ليس الا، مع ان برنامج شاعر المليون مثّل تظاهرة ثقافية جميلة، وكان هو النسخة الأولى الأصلية وغير المقلدة من مثل هذه البرامج، ليس لانه فتح عيوننا على جمالية اللغة المستخدمة في الشعر النبطي، وعرفنا من خلاله شعراء كبارا كان من الواجب انصافهم منذ زمن بعيد، وانما لانه استقطب الكثير من المتابعين وشد انتباه فئة وشريحة كبيرة من العرب، الامر الذي يساهم في حماية هذا التراث العربي الأصيل ويحفظه في قلوب الناس وافئدتهم، فضلا عن إكتشاف مواهب أدبية وفنية شابة ربما كانت مغمورة أو ظلمتها وسائل الإعلام وظهرت مؤخراً جلية، من الشباب الشعراء في منطقة الخليج أو من المذيعين الإماراتيين من كلا الجنسين. واذا كنا نسجل هذه الكلمات المتواضعة اعترافا بما قدمه هذا البرنامج الناجح من فوائد كبيرة للحركة الشعرية العربية والثقافية عامة، الا انه حري بنا ونحن نتحدث عن هذه المسابقة الشعرية وهذا البرنامج الناجح أن نتمنى على كل من تستهويهم آليات الاستنساخ العلمي التي فتحت الباب عليها عملية استنساخ النعجة دولي عام 1996م بأن يتركوا هذا الباب من العلوم للطب والا يدخلوه إلى ساحات الابداع الثقافي، لانه في الحالة الأولى قد يساهم في اكتشاف الادوية لامراض مستعصية في حين انه بالنسبة للثقافة فإن التقليد بالإضافة إلى أنه لايزيد جديدا بل يقلل أيضاً من أهمية وبريق حالات الابداع التي لابد من رعايتها وليس منافستها وخنقها في رحم المرة الاولى. واخيرا نقول لعلماء الاستنساخ والتقليد الثقافي دعونا نستمتع ببرنامج او ابداع ثقافي ناجح وابحثوا عن الاستنساخ في مجالات اخرى قد تربحكم اكثر وتريحنا اكثر! ومهما تعددت البرامج والاستساخ الثقافي يبقى شاعرالمليون واحدا!! @ المدير الإقليمي لمكتب دبي