مع ارتفاع نسبة البطالة في الأراضي الفلسطينية وانتشارها بشكل واضح بين خريجي أقسام الصحافة والإعلام على وجه الخصوص، بات طلاب السنتين الأخيرتين والخريجون يلهثون وراء الدورات التدريبية بأنواعها، لعلهم يزيدون من فرصهم في إيجاد عمل. لكن ثمة تساؤلات كثيرة تشوب تلك الدورات وتشكك في جدواها ومدى أهلية المدربين الذين يشرفون عليها، لاسيما أن بعض المراكز الإعلامية ودوائر الإعلام في الجامعات هي من ينظمها ويضيف مقرراتها إلى مناهج الطلاب، الذين يوصفون غالباً بأنهم «ضعاف المستوى». وتقول رناد موسى طالبة الصحافة والعلوم السياسية في جامعة بيرزيت: «أشعر أن المساقات (المواد) التي درستها في الجامعة لا تؤهلني للعمل الميداني وزملائي الذين تخرجوا صدموا بالواقع العملي ولم يكونوا مؤهلين له، فالدراسة لأربع سنوات في واد والعمل الصحافي الميداني في واد آخر». وتضيف موسى: «ألتحق بالكثير من الدورات، سواء كانت في الإعلام أو لا علاقة لها بالإعلام كي أستفيد. تابعت أخيراً دورة للصحافة الاستقصائية، وكانت مفيدة وضرورية، كما التحقت بدورة في السلامة المهنية، ونحن لم ندرس طوال السنوات الأربع أي شيء يتعلق بسلامتنا وكيف نحمي أنفسنا، خصوصاً أن غالبية عملنا في الميدان». أما محمود الخواجا، طالب الإذاعة والتلفزيون في جامعة بيرزيت، فكانت له أسبابه المختلفة للالتحاق بالدورات التدريبية في مجال دراسته. ويقول: «إنها فرصة تربطني بشكل أو بآخر بالمجتمع الإعلامي خارج الجامعة. أسعى إلى تثبيت اسمي في الدروات والتعرف إلى المدربين والصحافيين الأكثر خبرة، ولكن هذا لا يمنع أن اهتم بنوعية الدورة والمشرف عليها». وعن طبيعة المساقات في الجامعة، يوضح الخواجا: «في قسم الإذاعة والتلفزيون في جامعة بيرزيت جانب عملي جيد جداً إلا أننا نعاني من قلة الأدوات، وبالتالي تقوم الجامعة بتحديد عدد من الطلاب لا يتجاوز 15 طالباً في الفصل الواحد في أحسن الحالات، وهذا عدد قليل جداً مقارنة بطلاب الإعلام المكتوب، وهو ما يجعلنا محاصرين بين زملائنا وأساتذتنا، لذا فإن التحاقنا بدورات عملية يتيح تكوين علاقات ومعارف خارج نطاق الجامعة». ويؤكد رئيس دائرة الإعلام في جامعة بيرزيت بسام عويضة ما ذهب إليه الطلاب، بقوله: «غالبية المساقات تركز على الجانب النظري، لذا نحاول رفد الطلاب بدورات عملية. ومع أن بعض الأساتذة يقدم مساقات عملية إلا أننا نحاول استقدام مدربين ممارسين للعمل الصحافي كي يضيفوا خبراتهم المهنية». ويتابع عويضة: «مركز الإعلام في الجامعة مستقل عن الدائرة، ومتخصص في تنظيم دورات للصحافيين والخريجين، يتعهد خمس دورات تبدأ بداية العام الجديد، وتغطي التقارير التلفزيونية، والمونتاج، والتقارير الإذاعية وغيرها. نحن نريد أن يكون الطالب قادراً على العمل فور تخرجه، فلا يجوز أن يتخرج الطالب بعد أربع سنوات وهو يحفظ الكتب فقط، بل يجب أن يكون قادراً على العمل الميداني». وحول ما يقال عن ضعف الخريجين في أقسام الإعلام، يقول عويضة: «لدينا في دائرة الإعلام 320 طالباً. وعندما التحقوا بالقسم، التحقوا لأن قانون الجامعة يسمح لهم بذلك، ولكن لا أستطيع تخريج 320 صحافياً، اذا تخرج 50 بمستوى جيد فهذا إنجاز لنا. هناك طلاب أجزم بأنهم خلقوا ليكونوا صحافيين، ومنهم من يعمل في أكبر المحطات الإخبارية محلياً وعربياً... وإذا كنت لا أستطيع أن أزرع الموهبة في الطالب، أستطيع توفير المجال والأدوات والمناهج العملية والعلمية لهم». ويزيد: «بكل صراحة لست راضياً عن المناهج والمعدات في قسم الإعلام بشقيه المتلفز والمكتوب، فالجامعات الكبرى لديها أدوات ضخمة، أما جامعاتنا المحلية، وبسبب ما تعانيه من أزمات مالية، أهملت جانب التقنيات والأدوات على رغم أهميته». ويقول الصحافي الفلسطيني محمد دراغمة الذي يشرف أيضاً على دورات تدريب عملية، إنه يحب تدريب الشباب لأنه ينقل اليهم تجربته ومفهومه الخاص، مقراً بأن «هناك مشكلة كبيرة في مفهوم الصحافة والاعلام في فلسطين وفي العالم العربي تكمن في التسييس». ويقول: «في وسائل الإعلام في بلداننا الكثير من السياسة والقليل من المعلومات، لذلك نرى الجمهور يهجرها ويذهب إلى وسائل التواصل الاجتماعي بحثاً عن المعلومة. ودور وسائل الإعلام هو نقل المعلومات وفق معايير مهنية حرفية، وأنا أحاول تكريس ذلك في الجيل الجديد». ويضيف: «درّست مادة الكتابة الإخبارية في جامعة بيرزيت لعامين، وكنت أخرج عن المنهاج عامداً متعمداً وسعيداً بما أفعل، فأحول المادة النظرية إلى ورشة عمل من اليوم الأول إلى اليوم الأخير، بما في ذلك الامتحان الذي كان كتابة لقصة صحافية، وكنت اشعر بسعادة غامرة وأنا أشاهد مهارات الطلاب تتطور يوماً بعد يوم، ويتخلصون تدريجياً من اللغة السياسية فيستبدلونها بلغة إعلامية. تخرّج عدد منهم وبعضهم يشغل اليوم مواقع مهمة وأنا فخور بهم كزملاء». أما السؤال فيبقى: لماذا لا يتم إدراج تلك المقررات التدريبية ضمن المناهج التعليمية نفسها لئلا يتشتت الطالب بين ما هو مطلوب لينجح في سنته الدراسية وما هو ضروري لينجح في حياته المهنية؟