تغيرت جماعة «العدل والإحسان» في المغرب، أم تغير البلد؟ أم أن الاثنين في طريقهما إلى فتح صفحة جديدة؟ مصدر السؤال أن الجماعة المحظورة التي كان ينظر إليها كأكبر فصيل إسلامي معارض أقرت في مناسبة ذكرى رحيل مرشدها الشيخ عبد السلام ياسين اختيار سياسة اليد الممدودة إزاء الأحزاب والدولة والمجتمع. بصرف النظر عما تعنيه باليد الممدودة، فإن الإطار الملائم لاستيعاب الجماعة لا ينفصل عن حيازة شرعية قانونية وسياسية، تنقلها من خانة الجماعة إلى موقع الحزب، طالما أن ممارسة العمل السياسي في المعارضة أو الموالاة يخضع لشروط موضوعية، منها التزام قوانين تشكيل الأحزاب، أي رفض استخدام أي مرجعية دينية أو عرقية أو قبلية. وبالقدر الذي اسرع الفصيل الإسلامي «العدالة والتنمية» المعارض سابقاً في التعاطي والإشكالات المطروحة، منذ أعلن أنه حزب سياسي ذو مرجعية إسلامية، بالقدر الذي تلكأت «العدل والإحسان» بين خياري الدعوة والموعظة والعمل السياسي، مع أنها لم تكن في ممارساتها بعيدة من مفهوم الحزب الذي يؤطر مناصريه ويطرح برنامجاً سياسياً واقتصادياً لحشد الدعم. في ذروة الاحتقان والصراع بين الجماعة والنظام، عمدت الفعاليات السياسية إلى مساندة الشيخ عبدالسلام ياسين لتمكينه من أن يكون له الصوت الذي يرتضيه، معبراً عن أفكاره وميوله. لكن رده جاء قاسياً، يوم وصف الأحزاب أنها أشبه بمقاولات. وبقي هامش التعاطي والجماعة حزبياً وسياسياً يدور حول الحق في التعبير عن الرأي. غير أن العاهل المغربي الملك محمد السادس اختار أن يبدأ حكمه بإطلاق إشارات مشجعة، منها رفع الإقامة الجبرية عن الشيخ عبد السلام ياسين والسماح بعودة المنفيين وفتح صفحة «الإنصاف والمصالحة» التي اتسمت بقدر كبير من الجرأة والشجاعة في خلع الضرس بلا وجع. بيد أنه على امتداد أشكال المواجهة، ظل الوضع القانوني ل «العدل والإحسان» محور سوء الفهم والتفاهم. فهي ليست حزباً سياسياً. لكنها تعمل وفق المنظور الحزبي، وهي جماعة دعوية، لكن مجالات تحركها لا تستثني العمل السياسي، أكان ذلك على مستوى التزام مواقف راديكالية إزاء التطورات السياسية أو في نطاق التعاطي والقضايا القومية. وأحجمت في غضون ذلك عن المشاركة في أي استحقاق انتخابي. من دون تقييد حرية المنتمين إليها في اختيار أي موقف داعم أو مناهض لهذا الطرف أو ذاك. حدثان على الأقل لم يمرا من دون تأثير، أبرزهما أن فصيلاً إسلامياً اسمه «العدالة والتنمية» كان يشارك الجماعة قناعاتها بالمرجعية الدينية، استطاع في ظرف وجيز أن ينتقل من المعارضة إلى تولي رئاسة الحكومة، في سياق تطور سياسي، بلوره تعديل دستوري طاول بنيات الدولة والفصل بين السلطات وملائمة قوانين البلاد مع المرجعية الكونية. ولفت رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران أكثر من مرة إلى أن الباب مفتوح أمام مشاركة أي فاعليات سياسية، كما تمنى على «العدل والإحسان» الانضباط مع مقتضيات الشرعية الديموقراطية. ويتمثل الحدث الثاني في هبوب رياح الحراك العربي التي قادت حركات إسلامية إلى الواجهة، وضمنها تيارات سلفية كانت أكثر تشدداً. ما أفسح في المجال أمام إمكان معاودة الجماعة المغربية النظر في طروحات المقصد الحزبي الشاغر. سيما أن تجربة المغرب اتسمت بتغيير هادئ شمل الكثير من المعطيات، من دون أن يتسبب ذلك في انهيار الدولة. بل مكنها من الصمود وفق قاعدة التغيير في ظل الاستقرار. على رغم أن الجماعة لم تتقدم إلى اليوم بطلب يعكس رغبتها في أن تتحول إلى حزب سياسي، فإن مفهوم اليد الممدودة، لا يمكن قراءته خارج نسق البحث عن شرعية حزبية. والراجح أن تراث الجماعة لا يسمح لها أن تتنكر دفعة واحدة لكل ما كانت تعتقده صواباً. لكن ما لم يتحقق على عهد مرشدها الراحل، لا يعني أن قابليته ليصبح واقعاً مرادفاً للتنكر لمرجعيته. وفي الوقت الذي اختارت فيه الجماعة القطع مع الحراك المغربي الذي كانت تقوده الحركة الشبابية «20 فبراير»، لاعتبارات سياسية، لم تلجأ إلى التصعيد، ما اعتبر مؤشراً على حدوث تطور في فكرها وممارساتها. وإذ تختار في مناسبة الذكرى الأولى لرحيل مرشدها التلويح بسياسة اليد الممدودة، تكون قطعت نصف الطريق. بينما الخطوة القادمة لا يمكن أن تأتي من خارج إرادة الجماعة. أكان ذلك عبر الإفصاح عن الرغبة في الاندماج في الشرعية الحزبية أو من خلال البقاء خارج مربع الصراع الحزبي... وما تحتاجه الجماعة الإسلامية في المغرب هو قليل من الجرأة التي لن تفقدها الصدقية. وإن تطلب ذلك تمارين قياسية في تخفيف الوزن، بحثاً عن رشاقة سياسية تحررها العقول والممارسات. ولا أفضل من حمية الأفكار بديلاً عن التشدد والمغالاة.