التقطت الكاميرات صوراً للرئيس الأميركي باراك أوباما مع زوجته أثناء تأبين الزعيم الراحل نيلسون مانديلا. إلى هنا والأمر عادي، فما الذي نقله إلى خبر تتداوله وكالات الأنباء ومواقع التواصل الاجتماعي؟ مزاح أوباما مع رئيسة وزراء الدنمارك هيله ثورنينغ التي جاء مقعدها بينه وبين رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون، فإذا بترتيب الجلوس لمن فاتته متابعة اللقطات - وإن كنت أشك - كما التالي: من ميشيل إلى أوباما إلى الظريفة الدنماركية إلى كامرون. أما أوباما الذي أشعرنا مع كلمته المصورة بعد وفاة مانديلا أنه أكثر واحد في العالم حزناً على رحيله. واقعياً وعملياً لم تتبخر في العزاء ملامحه المفتعلة فحسب، وإنما حلت محلها صولات متتابعة من الضحك والتصوير بالجوال على طريقة «السلفي». ما يتطلب ضم الرؤوس المراد تصويرها إلى بعضها البعض كي تدخل في «الكادر». فرأينا رأسي أوباما وكامرون يلتصقان برأس الجميلة، وكله «عشان خاطر الصورة». فهل «تربيت» أوباما على كتفها كان للصورة «برضو»؟ الصور تتطلب الكثير، لا بد من أن نعترف! طبعاً النظرات الغاضبة التي صوبتها ميشيل إلى زوجها أكثر من مرة لم تثنه عن التمادي مع رفيقه البريطاني (ترك زوجته في البيت) في تبادل التعليقات المازحة مع هيله التي على ما يبدو أن مواضيعها كانت في منتهى الطرافة لقسمات أوباما المتجاوبة. وبصراحة نسأل: هل هذا وقته؟ أوباما قرر أنه وقته، وكامرون قرر مثله. فمن نحن حتى ننتقد الرئيسين الذين قلبا مشهد تأبين الهامة مانديلا إلى مسخرة؟ ولكن الزوجة ميشيل كان لها رأي آخر، والأكيد أنه ليس غضباً على هيبة الفقيد، ولكن حنقاً على زوجها الذي لم يتمالك نفسه مع دماثة الشقراء. وبصراحة وكلاكيت مرة ثانية، معها حق. أما المسلّي في الصور الأخيرة للفيلم القصير بالقصة المتكاملة وعنوانها: «الرجل هو الرجل»، أن اللقطتين الختاميتين أظهرتا فيها ميشيل وقد بدلت مقعدها وجلست بين زوجها والدنماركية، وعندها أجبرته على النظر أمامه ومتابعة مشاهد تأبين الفقيد الذي نسي أنه جاء ليودعه. وبتفريقها الجماعات اضطرت الدنماركية إلى التقليب في محتويات جوالها «وهي ساكتة»، مثل حيلة امرأة اليوم، لتعلن بانشغالها المزعوم أنها غير معنية بما حولها، ولو تفحصت في جوالها لضبطتها تتابع أية كلام والسلام. فماذا عن اللقطة «الفينال» للفيلم؟ أوباما يُقبِّل يد زوجته وكأنه يطلبها «أن تفكه شوية»، وهذه المرأة تظل هي المرأة، إن كانت زوجة الحاكم أو المحكوم. فلو تأملت الموقف، ولو استقطعت تهاون الرئيسين بالحدث، فما هما سوى رجلين أتاحت لهما الظروف أن يجالسا امرأة باستعداد فطري لمشاركة الآخر حلاوة طبعها وطلاوة لسانها. فهل نتوقع - لا سمح الله - أن يوفرا الفرصة؟ لو فعلاً فنحن لا نتكلم عن رجلين طبيعيين، وإنما متصنعان وممثلان لاعتبارات ما، وإن كانت عفوية أوباما بحاجة إلى التهذيب في موقف رسمي كهذا، فهو في النهاية رئيس أميركا. ولأنه صار ما صار نقول لميشيل إن ما يجري في العلن وأمام عينيها لا خوف منه، إنما هو التكلف في الفضيلة المبالغة عند التعامل مع المرأة، الذي قيل فيه ما خفي كان أعظم. عاد الأخ أوباما أخذ راحته في مؤشر العفوية «حبتين»، وربما لهذا السبب تحديداً أغاظ زوجته التي شعرت بالتقليل من مكانتها وحضورها، والغالب أنه عطر الدنماركية الذي قلب حاله. قاتل الله العطور وما تفعله «أحياناً». ولنكمل اللقطات التي لم تلتقط لما بعد حفلة التأبين. فهل تتوقعون أن حفلة أخرى بين ميشيل وأوباما وقعت وفاتتنا؟ أو أن العفوي أوباما يعرف تماماً كيف يسوي أوضاعه مع المدام؟ أما الرابح الأكبر في الحكاية فهي مليحة اسكندينافيا. يا ترى، كم «لايك» سجلت الصور التي التقطتها لو كانت نشرتها في موقعها على «أنستغرام»؟ فهل تلاحظون كيف تغيّرت قائمة اهتماماتنا وأفكارنا في تلقي الأحداث والتفاعل معها؟ إلا المرأة، تظل هي المرأة - ولو كانت ميشيل خريجة القانون من جامعة هارفرد وزوجة رئيس الولاياتالمتحدة - في غيرتها وضيق أفقها وأخرى في الجو تنافسها. ثم تلام امرأتان. [email protected]