حصول صاحب الحق على حقه انتصار للعدالة، وحصوله عليه في غير وقته المستحق انتصار للظلم، فالعدالة المتأخرة عدالة منقوصة، أو هي ضرب من ضروب الحيف. أنظمة المرافعات - بشكل عام - تركز على فلسفة تفترض براءة المدعى عليه من دعوى المدعي، فتعطيه امتيازاً على المدعي في الإجراءات القضائية حتى لا يضار بريءُ الذمة بالدعاوى الكيدية، غير أن هذه الفكرة وإن صحت من حيث التنظير إلا أنها فشلت من جهة التطبيق، فجرّأت المماطلين على التمسك بالنظام وضماناته لغير ما وضعت له. من أجل ذلك، راعى نظام المرافعات الجديد معالجة حالات كانت تستغل من ضعاف النفوس للمماطلة، فألزمت المادة (9) من بدّل مكان إقامته بإبلاغ المحكمة بذلك، ولتغطية نقص عدد المحضرين وتراكم أعمالهم أجازت المادة (11) الاستعانة بالقطاع الخاص في تحضير الخصوم، بل إن المادة (13) أجازت للمجلس الأعلى للقضاء عند الاقتضاء إضافة ما يلزم من وسائل تتعلق بالتبليغ. ومن أروع ما تضمنه النظام - وهو حريُّ بالاحتفاء والإشادة - ما نصت عليه المادة (57) من أنه: «إذا تخلف المدعى عليه في مسائل الزوجية والحضانة والنفقة والزيارة والعضل فللمحكمة أن تأمر بإحضاره جبراً». مطلُ الخصوم وتحايلهم على إجراءات التقاضي خصلة باقية في البشر ما بقي القضاء، وهي عرَضٌ لمرض مجتمعي، فمن الناس من لا تسمح له نفسه بأداء الحقوق بنفس رضية، حتى يلاقي أصحابها العنت في استحصالها، وتقنع نفسه أخيراً أنه لا حيلة جديدة، ولا سبيل للمماطلة أكثر مما جربه. ومع التسليم بهذه الحقيقة، فما يهم كلُ من يلج المحاكم ألا يكون النظام عوناً للمماطلين. * قاضٍ في ديوان المظالم سابقاً. [email protected]