وصل النائب الفرنسي جان لاسال إلى مقر الجمعية الوطنية (البرلمان) في وسط باريس بعد 230 يوماً جال خلالها على المناطق الفرنسية مشياً ليكون على تماس مباشر مع مشاكل الفرنسيين وهواجسهم. ومنذ العاشر من نيسان (أبريل) الماضي تنقّل لاسال، وهو من نواب حزب الوسط، بين مدن فرنسا وبلداتها للاطلاع على أسباب «ضيق العيش» الذي بات صفة ملازمة لمواطنيها. ليست هذه المرة الأولى التي يمارس فيها لاسال مهنته النيابية على هواه، ولا المرة الأولى التي يثير فيها سخرية زملائه النواب وانتقاداتهم. والخيمة التي نصبها عام 2006 أمام البرلمان ولازمها خلال إضراب عن الطعام نفّذه احتجاجاً على نقل إحدى المؤسسات الإنتاجية مقرها ومن منطقة بيرينيه اتلانتيك، وكاد يودي بحياته، لا تزال صورتها عالقة في أذهان العديدين. لاسال (58 سنة) الذي يثق بمخيلته وقدرته على الابتكار لتغيير مسار الأمور، اختار هذه المرة قطع مسافة 6 آلاف كيلومتر للإصغاء إلى هواجس الفرنسيين ومخاوفهم بعدما بدا له ذلك «ضرورة مطلقة» لأن الأمور في البلاد تتجه نحو الخطر، كما قال لصحيفة «لوفيغارو». وأقر لاسال بأن جولته مشياً تخرج عن التقاليد في الحياة السياسية الفرنسية، لكنها «في ذهني ووفقاً لقناعتي العميقة، تندرج كامتداد للعمل السياسي». واستناداً إلى هذه القناعة، لم يكتفِ لاسال بما سمعه من سكان دائرته الانتخابية، بل أراد أن يكون على التصاق بالفرنسيين من كل الأوساط والآراء والأصول، سعياً إلى تبديد قلقه من القطيعة الاجتماعية التي تشهدها البلاد، وغياب المصير المشترك وتصاعد التطرف. على مدى أيام جولته، جرّب لاسال احتكاكاً مع المواطن العادي وواجه في بعض الحالات ما يواجهه من متاعب، ومنها ما حصل في شمال فرنسا لدى وصوله الى أحد الأحياء التي تعتبر «حساسة»، إذ اعترضه شاب يعتبر نفسه سيد المكان، وما كان لينفد من يديه لولا أن بعض المارة تعرّف إليه بعدما كان شاهده على شاشة التلفزيون. وفي مرسيليا هاجمت مجموعة من الشباب معاونته وسرقت سيارته، من دون أن يتمكن من التدخل لتدارك الأمر، شأنه شأن جميع سكان المدينة الذين يعانون يومياً من التدهور الأمني. لكن هاتين الحادثتين تبدوان ثانويتين بالنسبة إلى كم الأحاديث التي دارت بين لاسال والمواطنين، ولمس عبرها مشاكلهم وهواجسهم التي تتراوح بين الخوف من المستقبل والشعور بهزال التقديمات الاجتماعية، والقلق على الهوية والريبة حيال أوروبا، وانعدام الثقة بالطبقة السياسية وبجدوى تعاملها مع الأزمة الاقتصادية. لكن هذه الصورة القاتمة التي ارتسمت لدى النائب عبر الشهادات التي يعتزم اختزالها لتقديمها في شباط (فبراير) المقبل إلى رئيس الجمهورية فرانسوا هولاند، لا تلغي وجود ما يُحيي الأمل. ويرى لاسال أن الرغبة في مستقبل وتطور موجودة حتى لدى أكثر الأوساط تهميشاً وبؤساً، ما يحمله على القول إن جولته ستبقى أجمل صورة في إطار سيرته السياسية. وعلى رغم الخطر الكبير المحدق بالبلاد، فإن العلاج في رأي لاسال لا يزال ممكناً، ويستدعي مبادرة رئاسية ونقاشاً وطنياً يتولاه رئيس الحكومة بالاشتراك مع البرلمان، ليتمحور حول المواضيع التي تُقلق الفرنسيين وتقوّض الأمل لديهم. جولة لاسال مشياً، قد لا تجدي في بدء معالجة المشكلات الصعبة التي تواجهها فرنسا، لكنها تثير ارتياحه الشخصي كونه حاول وسعى بطريقته لإلقاء نظرة حيّة قد تساعد في تحريك مستنقع أزمات.