اعتبر وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس امس أن التدخل العسكري في سورية شرط ضروري للتوصل إلى حل سياسي، وذلك قبيل النقاش الذي شهده مجلسا النواب والشيوخ الفرنسيان وأظهر أن الأزمة السورية باتت محور مواجهة في الوسط السياسي الفرنسي. وقال فابيوس في حديث إلى إذاعة «فرانس أنفو» إن فرنسا «ينبغي أن تتدخل في سورية لأسباب ثلاثة، أولها المجزرة الكيماوية التي حصلت في 21 آب (أغسطس) الماضي وتقع مسؤوليتها على نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ولأن المجزرة مثلت انتهاكاً لمعاهدة دولية تعود إلى العام 1925 وتحظر استخدام الأسلحة الكيماوية، وهذا هو السبب الثاني». أما السبب الثالث في رأي فابيوس فيتمثل «في ضرورة تحريك الوضع إذا كنا نريد حلاً سياسياً»، لافتاً إلى أن العمل العسكري «ليس منافياً للحل السياسي» بل العكس «وإذا لم يحصل أي عقاب فسيعتبر الأسد نفسه طليق اليد» في مواصلة المجازر. وتطرق فابيوس إلى المقابلة التي أجرتها صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية مع الرئيس السوري، ووصفها بأنها «مثيرة لصدمة شديدة» إذ إن الأسد «يهدد الجميع ولا يرد على الأسئلة المحددة». وأكد أن المنطقة بأكملها عرضة للتهديد لأن الأسد يملك «أسلحة كيماوية وقاذفات»، مشيراً إلى أن فرنسا «اتخذت أجراءات» في ما يخص مصالحها في المنطقة وخصوصاً في لبنان. وحول اتهام الأسد لفرنسا بالسعي إلى إشعال المنطقة، قال فابيوس إن «من يستخدم الغاز السام ضد شعبه وينتهك معاهدة» دولية ومن هو «جزار شعبه»، فإن أقواله ينبغي ألا تؤخذ في الاعتبار. وبالنسبة إلى دعوة البرلمان للتصويت على العمل العسكري في سورية رأى فابيوس انه «ممكن» ولكن «ينبغي التريث إلى حين توافر العناصر كافة» لدى الرئيس فرنسوا هولاند ومن ضمنها ما سيكون عليه تصويت الكونغرس الأميركي ليتخذ قراره بهذا الشأن. وفي حال رفض الكونغرس الضربة العسكرية عندها «ينبغي تناول الأزمة السورية بطريقة مختلفة لأنه لا بد من أن يكون هناك عقاب رادع»، علما أن هولاند كان اكد بوضوح أن فرنسا لن تقدم على عمل عسكري منفرد من دون الولاياتالمتحدة. وقال مصدر ديبلوماسي فرنسي انه في موازاة الجهود التي يبذلها الرئيس الأميركي باراك اوباما لإقناع الكونغرس بالموافقة على الضربة العسكرية، كثف فابيوس اتصالاته مع الشركاء الأوروبيين لإقناعهم بأن من مصلحتهم اعتماد التوجه الفرنسي، ومع جامعة الدول العربية. وذكر أن «هدف هذه الاتصالات الحصول على تعبير علني أو ضمني يدعم سياسياً أو مالياً ولا يضايق عملياً، وعدم الاكتفاء بالحديث عن الضربة، بل بلورة مجموعة اقتراحات حول الحل السياسي بحيث تكون الضربة تمهيداً له». وتابع المصدر أن «هذه الأفكار يجب أن تذهب أبعد مما اقترح لعقد مؤتمر «جنيف-2» لأن المشكلة ليست سورية - فرنسية ولا سورية - أميركية بل هي قضية أمن إقليمي جماعي». وعبر عن اعتقاده بأن «التوقيت المرجح للضربة هو بعيد تصويت الكونغرس المقرر في 12 الشهر الحالي وقبل موعد انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في 22 منه». وعما إذا كانت هناك خطة بديلة في حال رفض الكونغرس العمل العسكري، قال المصدر إن «الأمور مرهونة اليوم بما سيقرره الكونغرس، إذ من المتعذر إنشاء تحالف من دون الولاياتالمتحدة، وما يجري التفكير فيه هو تعزيز الدعم للائتلاف الوطني السوري». إلى ذلك أظهر النقاش الحاد الذي لم يتبعه أي تصويت في مجلسي النواب والشيوخ أن الأزمة السورية ولدت انقسامات داخلية تجاوزت الانقسام التقليدي بين اليمين واليسار وطالت الصف الداخلي لكل من الحكم اليساري والمعارضة اليمينية. وبدا من خلال النقاش في البرلمان الذي افتتحه رئيس الحكومة جان مارك أيرولت وفابيوس أن أعضاء المجلسين موزعان بين اتجاهات عدة، منها من يؤيد العمل العسكري ومنها من يشكك بجدوى مثل هذا العمل ومنها من يتمسك بضرورة الحصول على قرار دولي بهذا الشأن. وفي الإطار نفسه، بعث نشطاء في منظمات المجتمع المدني السوري والفرنسي رسالة إلى الجمعية الوطنية الفرنسية امس، جاء فيها: «بعد استخدام الغاز الكيماوي على نطاق واسع، نحن لا نتحدث فقط عن ملايين اللاجئين السوريين في الدول المجاورة، ولا عن عشرات الآلاف من القتلى ومن المعتقلين المعذبين بشكل يومي، ولا عن التدمير الممنهج للمدن الثائرة. ولم تعد المسألة فقط إنقاذ المدنيين السوريين. بل نحن نتحدث اليوم عن خيار أخلاقي يواجهه المجتمع الدولي وسيكون القاعدة التي سترسم قواعد اللعبة في الصراعات القادمة في العالم أجمع عبر العقود المقبلة». وأضافت الرسالة: «لا نستطيع أن نقارن الوضع في سورية بالوضع في العراق العام 2003. ففي العراق، قامت الاستخبارات الأميركية بتزوير الدلائل حول مخازن أسلحة التدمير الشامل. بينما في سورية، فلا مجال للشك في أن الأسلحة الكيماوية استعملت في دمشق، متسببة بسقوط أكثر من ألف قتيل منهم النساء والأطفال، وجميعهم من سكان المناطق المحررة من معارضي الاستبداد (...) السوريون يحتاجون مساعدتكم كي يخرجوا من الأتون الذي وقعوا فيه، ولكي نعطي بعض الأمل إلى شعب اغتيل بعد عامين ونصف عام من تدمير البلاد من قبل المستبد». وكان رئيس مجلس الشعب (البرلمان) السوري جهاد اللحام حض في رسالة نشرتها «وكالة الأنباء السورية» الرسمية البرلمانيين الفرنسيين على رفض أي «عمل إجرامي متهور» بحق سورية، مطالباً النواب الفرنسيين «بعدم التسرع في تنفيذ عمل إجرامي متهور لأن من صلاحيتكم أن تقوموا بإخراج الجمهورية الفرنسية من سلوك طريق الحرب إلى طريق الديبلوماسية».