في وقت اشتعلت حرب الفتاوى بين جماعة «الإخوان المسلمين» وحزب «النور» السلفي في شأن مشروع الدستور الذي علمت «الحياة» أن الاستفتاء عليه سينطلق 11 الشهر المقبل لمدة ثلاثة أيام، أدت فوضى أحدثها كبار قادة «الإخوان» خلال محاكمتهم أمس بتهمة التحريض على قتل متظاهرين أمام مقر مكتب الإرشاد في 30 حزيران (يونيو) الماضي، إلى تنحي هيئة محكمة جنايات القاهرة برئاسة القاضي مصطفى سلامة محمد عن النظر في القضية للمرة الثانية، وقررت إرسال أوراق القضية إلى محكمة استئناف القاهرة، لتحديد دائرة مغايرة من دوائر محكمة الجنايات. ويحاكم في القضية مرشد «الإخوان» محمد بديع ونائباه خيرت الشاطر ورشاد البيومي والمرشد السابق مهدي عاكف ورئيس حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية للجماعة، سعد الكتاتني، إضافة إلى 12 من قادة الجماعة أبرزهم وزير الشباب السابق أسامة ياسين، ومحمد البلتاجي وعصام العريان ومستشار الرئيس المعزول أيمن هدهد. وكان القضاة منحوا منذ بدء جلسة أمس التي عقدت في معهد أمناء الشرطة المتاخم لسجن طرة، أكثر من فرصة لهيئة الدفاع عن المتهمين لتهدئة موكليهم وإقناعهم بالتزام الصمت حتى يتسنى للمحكمة مباشرة إجراءات المحاكمة. غير أن تلك المحاولات جميعاً باءت بالفشل. ويعد هذا القرار بالتنحي هو الثاني في القضية، إذ سبق لدائرة أخرى في محكمة جنايات جنوبالقاهرة برئاسة القاضي محمد أمين فهمي القرموطي أن تنحت عن محاكمة المتهمين في 29 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. وشهدت الجلسة التي لم تستغرق سوى ثلاث دقائق فقط حالاً من الفوضى العارمة داخل قاعة المحكمة، إذ لم يتوقف المتهمون عن الصياح وترديد هتافات ضد القضاء والجيش، وسط مؤازرة من جانب ذويهم الذين سمحت لهم المحكمة بالحضور. وكانت المحكمة سمحت في بداية الجلسة لممثل الادعاء بتلاوة لائحة الاتهام غير أنه لم يتمكن سوى من قراءة بضعة سطور، بعدما قاد البلتاجي المتهمين في الصياح والهتاف من داخل قفص الاتهام، على نحو حال دون استكمال سماع أمر الإحالة، ما اضطرت معه المحكمة إلى رفع الجلسة والعودة إلى غرفة المداولة بعد دقائق قليلة من بدء الجلسة. وردد المتهمون هتافات عدة ضد قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح السيسي الذي وصفة مرشد «الإخوان» بأنه «خائن للعهد مع الله ومع الرئيس الشرعي محمد مرسي». وردد المتهمون من داخل قفص الاتهام آيات قرآنية وأحاديث نبوية عن التعرض للظلم والصبر على الابتلاء ومقاومة الظالمين وقرب الانتصار عليهم، كما لوحوا من داخل القفص بإشارة «رابعة». وألقى بديع كلمة خطابية استشهد فيها بآيات وأحاديث وضعها في سياق يحمل الاتهام للقوات المسلحة بالخيانة والانقلاب على السلطة الشرعية، في حين اعتلى أفراد من أسر المتهمين المقاعد ولوحوا بإشارة «رابعة» وهتفوا مع المتهمين ضد الجيش والسلطة التي اتهموها ب «الخيانة» و «معاداة الإسلام»، وببطلان المحاكمة والنيابة العامة وتحقيقاتها في القضية، ووصفوا القضاة بأنهم «قضاء العسكر». ودعت هذه الفوضى قضاة المحكمة إلى استدعاء هيئة الدفاع إلى غرفة المداولة حيث طلبت إليهم محاولة إقناع المتهمين بالهدوء والالتزام بقواعد وإجراءات المحاكمة وتحدث المحامون إلى المتهمين نحو نصف ساعة لإقناعهم بالهدوء لتتمكن المحكمة من نظر القضية. لكن ما إن عادت المحكمة لاعتلاء المنصة، حتى بادرها البلتاجي بإطلاق هتافات بينها «باطل باطل»، ما أضطر هيئة المحكمة إلى إعلان تنحيها عن النظر في القضية، بعدما أثبتت أنها منحت أكثر من فرصة لتهدئة الأوضاع غير أن المتهمين لم يستجيبوا. إلى ذلك، كثفت السلطات استعداداتها للاستفتاء على تعديلات الدستور. ويوجه الرئيس الموقت عدلي منصور كلمة إلى المصريين السبت يحدد فيها موعد الاقتراع على مشروع الدستور الجديد. وسيحضر الكلمة، بحسب الناطق باسم الرئاسة ايهاب بدوي، أعضاء لجنة الخمسين التي صاغت التعديلات وعدد من كبار المسؤولين في مقدمهم رئيس الحكومة حازم الببلاوي ونوابه وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي ووزير التعليم العالي حسام عيسي ووزير التعاون الدولي زياد بهاء الدين وشيخ الأزهر أحمد الطيب وممثل عن الكنيسة وأعضاء المجلس الأعلى للقضاء ورؤساء أندية القضاة والنقابات المهنية ورؤساء المجالس المتخصصة. وكشف مصدر قضائي مطلع أن الرئيس الموقت سيحدد 11 الشهر المقبل موعداً لانطلاق الاستفتاء، على أن يسبقه بأيام قليلة اقتراع المصريين المغتربين. وأوضح المصدر ل «الحياة» أن «الرغبة كانت في انطلاق الاقتراع 4 الشهر المقبل، لكن نظراً إلى اقترابه من احتفالات الأقباط المصريين بأعياد الميلاد، أرجئ إلى الأسبوع الذي يليه لينطلق الاقتراع في 11 الشهر المقبل». وأشار إلى أن «الاقتراع سيستمر لمدة ثلاثة أيام لإفساح المجال أمام مشاركة واسعة للمصريين»، ما يضيف أعباء على قوات الأمن لتأمين لجان الاقتراع التي ستبيت فيها صناديق الاقتراع، لا سيما وأن الاستفتاء سيتم على مرحلة واحدة. يأتي ذلك في وقت تبادلت جماعة «الإخوان» وحلفائها الرافضين لمشروع الدستور، وحزب «النور» السلفي الذي أعلن تأييده له، الحشد والحشد المضاد بالفتاوى. وهاجم الداعية المثير للجدل المحسوب على «الإخوان» وجدي غنيم حزب «النور» الذي وصف رموزه ب «الخونة الكفرة»، داعياً المصريين إلى مقاطعة الاستفتاء على «دستور الصليبيين والعلمانيين والبانغو والراقصات». ويحاكم غنيم غيابياً في القضية نفسها المتهم فيها الرئيس المعزول محمد مرسي وعدد من قادة «الإخوان» بتهم «التحريض على أحداث العنف أمام قصر الاتحادية» العام الماضي. وشن غنيم في مقطع مصور نشره عبر صفحته على موقع «يوتيوب» هجوماً عاصفاً على نائب رئيس جماعة «الدعوة السلفية» ياسر برهامي، قائلاً إن «برهامي وحزب النور خونة، خانوا الله والرسول والمؤمنين وأخاهم المسلم الملتحي فخامة الرئيس مرسي»، ما رد عليه برهامي ضمناً نافياً أن تكون «الدعوة السلفية» أو «النور» رضيا بحذف المادة 219 المفسرة لمبادئ الشريعة الإسلامية، مشيراً إلى أن «مضمونها في الدستور المعدل أفضل من دستور 2012 المعطل». وأكد برهامي خلال شريط مصور بثه موقع «صوت السلف» أن «التخوف من تفسير المحكمة الدستورية العليا لكلمة مبادئ كان بسبب التفسير المجتزء من حكمها للعام 1996 والذي يختزلها في قطعي الثبوت قطعي الدلالة، وهو ما كان يروج له بعض غلاة العلمانيين داخل التأسيسية الأولى ورفضناه». وأوضح أن «التفسير الجديد الذي وضعته لجنة تعديل الدستور لتعريف كلمة مبادئ يقضي بالجمع بين أحكام المحكمة الدستورية في تفسيرها، ما يلزم المشرع بالالتجاء إلى الشريعة الإسلامية من دون غيرها عند سن القوانين». واعتبر أن «هذا الحكم يلزم المشرع بضرورة مراجعة القوانين المخالفة للشريعة التي صدرت قبل إقرار دستور 1971 الذي نص على أن مبادئ الشريعة هي المصدر الرئيس للتشريع». وأضاف أن «الأحكام منصوص عليها في مضبطة خاصة بأعمال لجنة الخمسين ومختومة بخاتم شعار الجمهورية... ولم نكن لنقبل بأي نقصان في ما يتعلق بمواد الشريعة، وهو ما كانت ترفضه اللجنة في البداية إلا أنها وافقت عليه بالإجماع في النهاية». في المقابل، طالب حزب «مصر القوية» الذي يرأسه القيادي السابق في «الإخوان» عبدالمنعم أبو الفتوح اللجنة العليا للانتخابات بتحقيق ضمانات لنزاهة عملية الاستفتاء، بينها تسهيلات لعملية المراقبة وتدقيق لعملية التصويت. ودعا الحزب في بيان إلى «السماح للأحزاب السياسية ودعوة منظمات المجتمع المدني بتوكيل مندوبين ومراقبين للتواجد داخل اللجان الفرعية ومراقبة عملية التصويت عموماً، وأن يتاح الحصول على التصاريح اللازمة لذلك حتى قبل إجراء الاستفتاء بيومين على الأكثر»، مطالباً بألا يسمح لأي ناخب بالتصويت في غير مقره الانتخابي، وأن يقوم الناخب بالتوقيع بجوار اسمه في كشف الناخبين للجنة الفرعية، مع عدم التصويت إلا من خلال بطاقات اقتراع مختومة وموقع عليها من رئيس اللجنة الفرعية. وكان أبو الفتوح أعلن في مؤتمر صحافي الاثنين الماضي أن حزبه سيشارك في الاستفتاء ويرفض مشروع الدستور. وطالب بفرز الأصوات داخل اللجان الفرعية علناً، على أن تعلن النتيجة داخل مقار اللجان «في حضور المندوبين والمراقبين ووسائل الإعلام المسجلة، على أن يحصل كل مندوب على محضر رسمي لنتيجة الفرز موقع ومختوم من القاضي رئيس اللجنة الفرعية، وكذلك الأمر في اللجنة العامة». وطالب الحزب بإجراء الاستفتاء في يوم واحد، معتبراً أن «هذه ضمانات أساسية لا تنازل عنها لضمان إجراء عملية انتخابية سليمة ومعبرة عن أصوات المصريين». وأعلن المرشح الرئاسي السابق مؤسس «التيار الشعبي» حمدين صباحي استعداده لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، لكنه رهن حصول ذلك ب «تحقيق توافق بين القوى الثورية» على اسمه وبرنامج يخوض به الاستحقاق، كما رهنه ضمناً بعدم ترشح وزير الدفاع. وقال صباحي خلال لقاء مع قناة «سي بي سي»: «استخرت الله وأعلنت ترشحي للرئاسة... فأنا أبحث عن تعبير لائق بالثورة وقواها وشعبها وأهدافها». ورهن ترشحه بعدم ترشح السيسي الذي قال إنه إذا ترشح «سيفوز من الجولة الأولى... وأنا لا أريد حصول انشقاقات داخل تحالف ثورة 30 يونيو». وأشاد بدور قائد الجيش، مشيراً إلى أن «من الأفضل أن يظل في موقعه كقائد للجيش». من جهة أخرى، أجرى وزير الدفاع محادثات أمس مع قائد القيادة المركزية الأميركية لويد اوستن والوفد المرافق له الذي يزور مصر حالياً. وقالت وزارة الدفاع في بيان إن اللقاء «تناول تبادل الرؤى في شأن تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية وانعكاسها على الأمن والاستقرار بالمنطقة ومناقشة عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك في ضوء عمق العلاقات الإستراتيجية المصرية - الأميركية في العديد من المجالات». وقال مسؤول عسكري ل «الحياة» أمس إن اللقاء «شهد عرض الجهود التي يقوم بها الجيش لمكافحة الإرهاب في سيناء والخطط الخاصة بالتوجه إلى الاهتمام بالتنمية في شبه جزيرة سيناء عقب تحقيق العمليات الأمنية لنجاحاتها في تطهير البؤر الإجرامية والإرهابية كافة هناك من جماعات العنف المسلحة». والتقى رئيس أركان الجيش الفريق صدقي صبحي المسؤول الأميركي بحضور عدد من كبار قادة القوات المسلحة والقائم بأعمال السفير الأميركي في القاهرة. وناقشا العلاقات العسكرية بين البلدين.