جهر بالشيء أي أظهره وأعلنه، وفي التنزيل العزيز «وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى»، ويقال فلان جاهر بالمعصية، أي انه أعلنها على الملأ، والمجاهر إما انه يعتقد بملكية ما لا يملكه الآخرون، أو انه فوق الجميع، لدرجة انه لا يجوز لأحد مساءلته، أو أن يكون مضللاً بمفهوم الشفافية، وفي جميع الحالات تنم المجاهرة بالأخطاء من أي نوع كانت عن عقلية مأزومة تفتقد إلى الصواب، وأيضاً إلى عدد من المواصفات الانسانية، مثل عدم مراعاة الأصول والنظم والقوانين وعدم الحياء وعدم الخوف، ومن المجاهرين ذلك الذي استعرض بفحولته وكان نموذجاً سيئاً تمت معالجته بما يستحق، وصفقنا كثيراً لاتخاذ إجراءات نظامية في حقه. وأخيراً كتب زميلنا المبدع خلف الحربي في الزميلة «عكاظ» عن الإمام الذي اختلس تبرعات المحسنين، وعده اخطر من المجاهر بالرذيلة، وأتفق معه تماماً فيما ذهب اليه، وأضيف انه طالما دخلنا في مفاضلة مَنْ هو أخطر؟ فلدينا نوع خطير من المجاهرة اعتبره آفة وهم المجاهرون بالمخالفات... كيف؟ في واحدة من أكبر طرق المنطقة الشرقية وأكثرها زحاماً، يقع مركز لسلاح الحدود في إحدى زواياها، وصادف انني كنت اسلك تلك الطريق، فإذا بي أمام سيارة رسمية تابعة للمركز، تعكس ذلك الشارع على مرأى ومسمع «من حضر»، لا شعورياً تعمدت ان اسلك المسار ذاته الذي كان يسير فيه مخالفاًً ثم ابتعدت عنه، فاسحاً له الطريق وأنا أفكر، هل هو صائم؟ جميعنا صائمون، هل ضغط العمل دفعه الى المجاهرة بالمخالفة؟ جميعنا يعمل، وهكذا وبينما انا في غمرة «الشعور الحسي» تفاجأت بسائق السيارة يستدير ويلحق بي مزمجراً، حقيقة لم أتوقع منه العودة، لكنه «شين وقوي عين» فقد اطلق العنان لأذرعه وهو يسألني بوقاحة مغلفة بأدب «كانك لفيت علي» طبعاً السؤال كان ساذجاً، لأن إجابتي لم يخرج معناها عن انني أسير في طريقي ملتزماً باتجاه الشارع الذي أسلكه، طبعاً لن يفيد استعراض الحوار الذي دار بيني وبينه، لكن ما لفتني هو ان السائق يرتدي بزة رسمية، والنجوم ترصع اكتافه، فإذا كان ذلك رجل أمن، وأحد مسؤولي المركز، وديدنه القيام بمثل هذه المخالفة في وضح النهار، فما شأن من يعمل تحت إدارته؟ شخصياً ومنذ طفولتي وحتى الآن انظر الى رجل الامن، أياً كان مجاله باحترام كبير، والانطباع الذي تولد منذ طفولتي أجده عند شرائح المجتمع كافة وبوفرة، لكن عندما يأتي مثل ذلك المجاهر بالمخالفة، وهو رجل أمن، ترى كيف يمكن حل تلك المعادلة، والسؤال الذي يتبعه اذا كان رجل الامن الذي لم يحترم الانظمة هو ذاته احد القائمين على تطبيقها، فما الذي يمكن ان يتركه للشباب الطائش والمتهور؟ مما يؤسف له ان ذلك النموذج يحبط أي جهد قائم لفرض النظام والقانون، فإن تتلقى قسيمة مخالفة مرورية لعدم استخدام الحزام هو امر مستحق، ولكن ان تكون قبل استلام تلك القسيمة بدقائق تجاوزت دورية مرور، سائقها لا يستعمل الحزام، فهنا سترتسم علامة تعجب على محياك، وان تجد سائق سيارة أمنية يقود سيارته بسرعة فائقة، وهو يتحدث بهاتفه النقال، ايضاً ستتعجب فكيف يمكن ان تحترم تشريعاً تم وضعه للسلامة المرورية وأمامك رجل مرور يتحدث في «موبايله»، ويقفز بسيارته تارة يمين الشارع، ويساره تارة اخرى، مهدداً أرواح المارة والسيارات الاخرى؟ «الأمانة» هي الفيصل في مثل هذه التجاوزات، فبعضنا لا يشعر بعظم الامانة الملقاة على عاتقه، ولعل ما حدث مع بعض الاصدقاء يجسد ذلك، فالرجل ولحظه العاثر، صادف ان رحلته الجوية من مطار الملك خالد وقت السحور، وبما انه وقت السحور فمعنى ذلك ان تتعطل امور المسافرين الى ان ينتهي موظفو المطار من مدنيين وعسكريين من تناول وجبتهم، وهذا يذكرني بموقف طريف حصل لي، فقد كنت في رحلة داخلية وصادف ان مررنا في مطار بريدة، فقلت لمرافق كان معي «هل تصدق ان مطار بريدة يغلق في اوقات الصلاة»، فصاحبي «لم يكذب خبراً» وما ان عدنا الى مدينتنا، حتى بدأ بنشرها كمعلومة، طبعاً أنا قلتها «مازحاً»، لكنني اقولها اليوم «صادقاً»، «هل تصدقون ان مطار الملك خالد في الرياض لا يعمل وقت السحور»؟! [email protected]