أرجع الكاتب والشاعر أحمد التيهاني ورود بعض الألفاظ المحلية الشفاهية، في ثنايا الشعر الحديث والمعاصر في عسير، إلى أنّه إحضار مقصود يهدف إلى تأكيد فصاحة تلك الألفاظ الشفاهية، التي يؤمن هؤلاء الشعراء بأنها ليست تحلية مجردة بألفاظ محلية لأجل التلذذ بها أو بهدف استجلاب عطف المتلقين المحليين فحسب، بل هي قبل ذلك موقف علميّ وفني ومعرفي وثقافي. وأضاف التيهاني، في المحاضرة التي قدمها في مجلس ألمع الثقافي عن «عسير في لغة شعرائها» وأدارها الدكتور عبدالرحمن البارقي، أنّ هذا الإحضار المقصود يؤيده ما مارسه بعض شعراء عسير من توظيف بعض الألفاظ في ثنايا شعرهم، ثم شرحها في الهامش شرحاً ينسبها إلى قبائل أو قرى صغيرة في عسير، بوصفها من لغتهم على رغم أنّ هذه الألفاظ موجودة في المعاجم اللغوية بالمعاني نفسها. وأشار إلى أنّ التخلص البدهي من المعجم التراثي العربي في القصيدة الحديثة، أفضى إلى معاجم جديدة انتزعت من الأرض إنساناً ومكاناً، ثم أدى إلى رموز جديدة وحمولات دلالية لا يصل إليها قارئ مهما بلغت قدرته اللغوية إلا بعد أن يقرأ الأرض قراءة سليمة. وذكر التيهاني عدداً من شعراء عسير، كمحمد زايد وإبراهيم طالع وعلي آل عمر وأحمد عسيري وأحمد مطاعن ومريع سوادي، الذين يوردون هذه الألفاظ عمداً لأسباب، منها: أنّ هناك من يرى أن لهجة أهله وأجداده فصيحة كلها وأن الاستقراء اللغوي الناقص عند جامعي اللغة وواضعي المعاجم العربية غيب قدراً من ألفاظ هذه اللغة، إضافة إلى أنّ هناك زاوية أخرى يقول القائل بها إن وجود ألفاظ شفاهية عند بعض شعراء عسير مما درج في بيئتهم وعلى ألسنة أهلهم ولم تحوه المعاجم أو يدر على ألسنة غيرهم من شعراء العربية، يثير عدداً من القضايا المتعلقة بلغة الفنّ، ويبعث عدداً مماثلاً من الأسئلة عن اللغة الأدبية المشتركة أو النموذجية التي يتحتم على الأدب الالتزام بها، بل إنه يقود إلى الخوض في قضية موت اللغة التي شاعت عند بعض المثقفين العرب منذ منتصف القرن ال20 الميلادي، ومنهم أدونيس الذي رأى أنّ اللغة العربية المعقدة تتراجع وأن اللهجات المحلية تتقدم في الشعر والكتابة. ولفت التيهاني إلى أنّ الناظر في الألفاظ المحلية الواردة عند شعراء عسير، يلحظ أنها تتوزع في أنواع منها: ألفاظ باقية من اللغة الحميرية، وألفاظ المصطلحات المحلية ومسميات الأشياء وأوصافها، واتّباع الطريقة المحلية في نطق بعض الألفاظ الفصيحة المندثرة، التي بقيت عند أهل عسير، وتضمين القوالب الشعرية المحلية، واعتبر التضمين مظهراً من المظاهر اللغوية الجديدة التي طرأت على الشعر عند نفر من شعراء عسير، وهو مقصور على المجددين منهم. وفي ختام المحاضرة أجاب التيهاني على أسئلة الجمهور، الذين عدهم مفاجأة بالنسبة إليه، باعتبار أنّ المؤسسات الثقافية الرسمية على مستوى الوطن، لا تستقطب ربع الحاضرين في هذا المجلس المدني الثقافي.