رصد تقرير الاستثمار العالمي الذي وضعه «مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والتنمية» (أونكتاد) لعام 2009، (نشرت لمحةٌ عامةٌ عنه أمس)، اتجاهات تحوّل مصدر الاستثمارات العالمية من الشمال إلى الجنوب. ورأى في جزءٍ تفصيلي، أن منطقة جنوب وشرق وجنوب – شرق آسيا لم تتمكن من تفادي الصدمة التي أحدثتها الأزمة المالية والاقتصادية العالمية. ومع ذلك، يشير التقرير، إلى أن الزخم الذي تحقق العام الماضي يعني أن الاستثمار الأجنبي المباشر الوافد إلى المنطقة ارتفع 17 في المئة مسجلاً بذلك رقماً قياسياً مرتفعاً بلغ 298 بليون دولار. ويختلف أداء الاقتصادات الكبرى في المنطقة اختلافاً كبيراً في ما يتعلق بجذب الاستثمار الأجنبي المباشر. فالصين التي شهدت تسارعاً في التدفقات الوافدة إليها، وسجّلت رقماً تاريخياً (108 بلايين دولار) أصبحت ثالث أكبر البلدان المتلقية للاستثمار المباشر الأجنبي في العالم (بعد الولاياتالمتحدة وفرنسا). وقفزت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر نحو الهند مسجلةً ايضاً رقماً قياسياً بلغ 42 بليون دولار. وهذه التدفقات ناتجة من استثمارات الشركات عبر الوطنية الرائدة في مجموعة من الصناعات التحويلية وشركات الخدمات. وساعد الأداء القوي للاقتصادين – وهما من أكبر الاقتصادات الناشئة – حتى أثناء الأزمة الحالية، على إعادة رسم صورة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في المنطقة وفي العالم أجمع، فهما استقطبا نصف تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر على المستوى الإقليمي، ونحو عُشر التدفقات على المستوى العالمي. وثمة تباين واسع في الاستثمار الأجنبي المباشر الوافد إلى الاقتصادات الآسيوية الأربعة الحديثة التصنيع. فعلى رغم أن التدفقات الوافدة إلى جمهورية كوريا تسارعت وواصلت مسارها التصاعدي في هونغ كونغ (الصين)، فإنها انخفضت انخفاضاً حاداً في سنغافورة ومقاطعة تايوان الصينية. أما في ماليزيا وتايلاند فتراجعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر تراجعاً طفيفاً. واستطاعت بلدانٌ في جنوب شرقي آسيا الأخرى، بما فيها، إندونيسيا وفيتنام الحفاظ على نمو الاستثمار الأجنبي. وارتفعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الخارجة من منطقة جنوب وشرق وجنوب – شرق آسيا 7 في المئة لتبلغ 186 بليون دولار، وازدادت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الخارجة من المنطقة إلى البلدان المتقدمة كجزء من الجهود التي تبذلها الشركات الآسيوية للحصول على أصول استراتيجية في الخارج. ونظراً إلى التأثير السلبي للأزمة العالمية في الشركات عبر الوطنية الرائدة الآسيوية، فإن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الخارجة من المنطقة ستشهد تباطؤاً في 2009، وإن كان بدرجة أقل مما في بقاع كثيرة من العالم. وأصبحت الصين والهند مصدرين مهمين من مصادر الاستثمار في الخارج، فقد ارتفعت حصتهما من مجموع التدفقات الإقليمية الخارجة من 23 في المئة عام 2007 إلى 37 في المئة في 2008. وقفز الاستثمار الأجنبي المباشر الخارج من الصين، بوجه خاص، ليصل إلى 52 بليون دولار في 2008، مسجلاً زيادة 132 في المئة عن 2007. وتُواصل التدفقات الخارجة من الصين مسارها التصاعدي في 2009.ويستمر توسع الاستثمار الأجنبي المباشر الخارج من الصين سعياً إلى الحصول على الموارد، كون الشركات الصينية العاملة في مجال التعدين والفلزات أصبحت أكثر نشاطاً في الحصول على أصول في الخارج. وقد يكون التقلب الكبير في أسعار الصرف، وهبوط أسعار الأسهم في الخارج نتيجة الأزمة، أتاحا فرصة لهذه الشركات لزيادة عملياتها في مجال دمج الشركات وتملكها عبر الحدود. وانخفضت التدفقات الخارجة من الاقتصادات الآسيوية الأربعة الحديثة التصنيع كلها، بمعدل 2 في المئة في هونغ كونغ (الصين)، و7 في المئة في مقاطعة تايوان الصينية و18 في المئة في جمهورية كوريا، وسجل المعدل انخفاضاً حاداً في سنغافورة بلغ 63 في المئة. ووصلت التدفقات الخارجة من هذه الاقتصادات في 2008 إلى 60 بليون دولار، و10 بلايين دولار، و13 بليون دولار، و9 بلايين دولار على التوالي. وتضررت الاقتصادات الآسيوية الحديثة التصنيع تضرراً شديداً جراء الأزمة، ولا تزال أهميتها النسبية في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الخارجة من المنطقة تشهد تراجعاً.