روبرت دي نيرو هو أحد أشهر نجوم السينما الهوليوودية، وأفلامه التي دخلت تاريخ الفن السابع العالمي لا تعد ولا تحصى، منها على سبيل المثال، «العرّاب 2» لفرانسيس فورد كوبولا، و«الثور الهائج» و«سائق التاكسي» و«كيب فير» و«الطيبون» لمارتن سكورسيزي و«صائد الغزلان» لمايكل شيمينو. وقد انتقل دي نيرو منذ مطلع الألفية الحالية إلى اللون الكوميدي بعدما مارس الدراما والمغامرات سنوات طويلة. وآخر أفلامه «العائلة» أو «مالافيتا»، وفق البلدان التي يوزع فيها، من اخراج الفرنسي لوك بيسون، وفيه يمزج بمهارة بين الفكاهة والمغامرات البوليسية ويؤدي فيه دي نيرو دور مجرم يحاول الوشاية بأفراد العصابة التي ينتمي إليها لتفادي دخول السجن، وبالتالي تحميه الاستخبارات الأميركية من انتقام العصابة إياها، من طريق إرساله مع عائلته إلى الريف الفرنسي. وتأتي الناحية الكوميدية من الفيلم لكون دي نيرو يسخر هنا من نفسه ومن أدوار الإجرام التي سبق أن أداها في أهم أعماله السينمائية، معتمداً الأسلوب نفسه في الكلام والحركة، بل ومستعيناً في بعض المرات بعبارات كاملة مأخوذة من هذا الفيلم أو ذاك من تلك التي صنعت شهرته. أما شخصية الزوجة فتؤديها النجمة ميشيل فايفر، بينما تمثل ديانا أغرون القادمة من عالم المسلسلات التلفزيونية، دور الإبنة المراهقة. وهناك فيلم آخر يظهر فيه دي نيرو حالياً هو «لاست فيغاس» للمخرج جون تورتلتوب، يتقاسم البطولة مع كل من مايكل دوغلاس وكيفين كلاين ومورغان فريمان. وهو أيضاً مبني على مغامرات كوميدية يعيشها أربعة رجال متقدمين في العمر، في مدينة لاس فيغاس الأميركية. جاء روبرت دي نيرو إلى باريس للترويج لفيلم «العائلة»، وهنا حوار معه. ما الذي جذبك في سيناريو فيلم «العائلة»؟ - أعرف السينمائي لوك بيسون منذ سنوات طويلة، وكنا وعدنا بعضنا، أنا وهو، بالعمل معاً في يوم ما، ويعود هذا الكلام إلى منتصف التسعينات من القرن الماضي، إلا أن الفرصة لم تتوافر قبل العام 2010 عندما اتصل بي بيسون معبّراً عن رغبته في تحويل رواية «مالافيتا» للمؤلف تونينو بيناكويستا إلى سيناريو، لكن بعد إجراء الكثير من التعديلات عليها وتحويلها من عمل جدي عن عصابات المافيا، إلى نص ساخر يمزج بين عنصري المغامرة البوليسية والضحك... تسرعت في قراءة الرواية وأعلمت بيسون بموافقتي الفورية على المشاركة في الفيلم حتى قبل أن ينغمس هو في كتابة السيناريو. لماذا؟ - لأنني كنت أرغب بشدة في العمل تحت إدارة بيسون، فأنا من أشد المعجبين بأسلوبه في الإخراج. ثم لأن ثقتي به كبيرة من ناحية قدرته على كتابة سيناريو ذي فعالية كبيرة، وأخيراً لأن حكاية تحويل الرواية الجادة إلى نص ساخر أعجبتني إلى أبعد حد. كيف تصف هذا المجرم الذي تؤديه في الفيلم والذي يبيع أفراد عصابته من أجل تفادي الحبس؟ - إنه خائن بطبيعة الحال، ولو كان بيسون قد صور فيلمه من دون التحوير في الرواية الأصلية، لظهر هذا الشخص في شكل بغيض وغير مستحب بالمرة. بينما يتخذ الرجل في الحقيقة وبفضل العنصر الفكاهي، مظهر المجرم الخفيف الظل الجذاب، خصوصاً لأنه يطبّق أسلوب عصابات المافيا في تعامله مع أهل القرية الصغيرة التي يختبئ فيها في منطقة النورماندي الفرنسية. أنت تسخر في هذا الفيلم من بعض أدوار الإجرام التي سبق ومثلتها في أفلام جادة، فهل أعجبك هذا الشيء؟ - أنا أعتبر هذه النقطة من أكثر الأشياء التي أعجبتني في أثناء تصوير «العائلة». لقد منعت نفسي من الضحك في أثناء تقليدي نفسي، وكنا جميعنا، وأقصد أنا ولوك بيسون وميشيل فايفر وأفراد الفريق التقني، ننتظر انتهاء تصوير كل لقطة لنطلق لأنفسنا العنان في ضحك طويل قبل أن نواصل العمل. بين المواقف المثيرة للضحك أيضاً، هناك تلك التي يتمعن فيها المجرم المختبئ في كتابة مذكراته، مدّعياً أمام أهل القرية الفرنسية أنه مؤلف مرموق. فما الذي يدفع به إلى هذا التصرف؟ - هناك عوامل داخلة في الحسبان، مثل رغبته في الادعاء أمام جيرانه أنه رجل مهم، خصوصاً أنه ينظر إلى الفرنسيين على أساس أنهم دون مستواه من حيث الذكاء والتحضر. ويسخر الفيلم هنا من الأميركيين الذين يميلون دائماً إلى احتقار غيرهم وإلى الاعتقاد بأنهم أقوى وأذكى شعوب الكرة الأرضية كلها. وعامل ثانٍ هو الندم على ما فعله تجاه أفراد عصابته، وهو يرغب من خلال كتابة مذكراته تحت اسم مستعار، في شراء راحة ضميره والاعتراف بما ارتكبه من تصرفات منافية لقواعد الشرف، وذلك حتى لو كان هذا الشرف هو الخاص بعصابات المافيا. تضخيم الصفات السلبية يسخر الفيلم أيضاً من تكبر الفرنسيين على الأميركيين. ما رأيك في الموضوع نظراً الى كونك تعرف فرنسيين كثراً، وفي مقدمهم لوك بيسون مخرج الفيلم؟ - أراد بيسون فعلاً أن يسلط الضوء على عيوب الفرنسيين والأميركيين على السواء، لكنه فعل ذلك بأسلوب قريب إلى الكاريكاتور، بمعنى أنه اعتمد تضخيم الصفات السلبية لدى الشخصيات، خصوصاً تعاليها على الآخرين. ومن خلال معرفتي بالفرنسيين، وطبعاً الأميركيين، بما أنني منهم، أستطيع التأكيد انهم متكبرون، وأن كل شعب من هذين الشعبين يعتقد أنه أفضل من الثاني. فالفرنسي متأكد من أنه اخترع الجمال والذوق الرفيع، في الوقت الذي يعتقد الأميركي بأنه صاحب الفضل الأول والأخير في التقدم الحضاري والتكنولوجي. وأستثني لوك بيسون من هذه الأمثلة، فهو فنان كبير متفتح الذهن والأفق ويقضي حياته بين فرنساوالولاياتالمتحدة، وبالتالي فهو فوق مثل هذه الاعتبارات. ألم تعثر في السيناريو على مواقف غير واقعية، وأبرزها كون عائلة أميركية قريبة إلى عصابات المافيا تختبئ في قرية فرنسية صغيرة؟ - لقد خطرت الفكرة على بالي بالفعل، لكنني، مثلما سبق وذكرته، منحت ثقتي الكاملة إلى لوك بيسون، وكنت على حق بما أنه تمعن في الأمر قبل أن ينهي كتابة سيناريو الفيلم واستطاع الحصول على معلومات سرية من أجهزة معينة أكدت له أن برنامج حماية الذين يكشفون عن أفراد العصابات موجود بالفعل في الولاياتالمتحدة، وأن مثل هؤلاء الأشخاص يختبئون في قرى أوروبية. تتقاسم بطولة الفيلم مع ميشيل فايفر، وقد حدث الأمر مرتين في الماضي، فهل تجمع بينكما صداقة قوية؟ - إننا فعلاً أصدقاء منذ حوالى ربع قرن، وأنا متأكد من أنها كانت ستثور لو سمعتني أقول هذا الكلام، فالمرأة نادراً ما تقبل أن يذكّرها أحد بحقيقة عمرها. وفي ما يتعلق بعملنا معاً في فيلمين في الماضي، فهو شيء حدث بالفعل، إلا أننا لم نظهر في لقطات مشتركة أبداً. وأنا عرضت على فايفر العمل معي أكثر من مرة في أفلام تتضمن أدواراً لائقة بها، لكنها كانت ترفض في كل مرة بسبب انشغالها بمشروعات أخرى. وشاء الحظ أن تقبل عرض لوك بيسون وأن تظهر معي في عدد كبير جداً من مشاهد فيلم «العائلة»، وأنا سعيد جداً بحدوث هذا الشيء. ماذا عن فيلم «لاست فيغاس» النازل أيضاً إلى الأسواق؟ - إنه يروي، على النمط الكوميدي، حكاية أربعة أصدقاء مسنّين يقررون الفرار إلى لاس فيغاس من أجل الاحتفال بمشروع زواج أحدهم. وهم بطبيعة الحال يتصرفون مثل المراهقين، الأمر الذي يجلب لهم المشاكل مع الشرطة ومع عائلاتهم. وأنا أتقاسم بطولة الفيلم مع العمالقة مايكل دوغلاس وكيفين كلاين ومورغان فريمان. ما الذي يدفع بك إلى الظهور أساساً في أفلام كوميدية الآن بعدما تخصصت طويلاً في الدراما والمغامرات؟ - الرغبة الملحّة في التنويع، والاقتناع بأنني ربما أكون قد قلت كل ما عندي في ميدان الدراما، وأن أظل على أتم استعداد للمشاركة في أفلام جادة إذا وقعت على السيناريو الذي يجذبني، خصوصاً على الدور الذي يشعرني بأنني أستطيع بواسطته مفاجأة جمهوري وعدم الوقوع في فخ تكرار ما قدمته سابقاً. وأنا حالياً سعيد جداً بإضحاك الناس، وسعيد أكثر لأنهم يتقبلونني كممثل فكاهي.