لا يعتبر المخرج الفرنسي المخضرم جان لوك جودار أحد أهم رواد حركة الموجة الفرنسية الجديدة في الستينات فحسب، لكنه كان كذلك من أوائل من مهدوا لكسر القواعد المتعارف عليها في السرد السينمائي، من خلال أسلوبه التجريبي الفريد في التصوير والمونتاج وتوجيه الممثل. وفي عمر الثالثة والثمانين وبعد قرابة ستين عاماً أخرج خلالها 39 فيلماً، لا يزال جودار يستلهم هذه الروح التجريبية المتمردة في فيلمه الأحدث "وداعاً للغة"، الذي عرض أمس الإثنين ضمن قسم "مهرجان المهرجانات"، في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي. وكانت إدارة المهرجان قد ألغت يوم الأحد عرضين للفيلم الذي صور بتقنية الأبعاد الثلاثية، بسبب ما وصفته بمشاكل تقنية. وحصل الفيلم على جائزة لجنة التحكيم في الدورة السابعة والستين من مهرجان كان لعام 2014. وفي الفيلم الذي يقوم ببطولته إيلوا جوديت وجيسيكا اريكسون وكمال عبدلي وريشار شيفالييه، لا يحكي جودار قصة بقدر ما يوظف التقنية لإيصال أفكار محددة عن العالم المعاصر، من خلال علاقة مفككة بين رجل وامرأة يتوسط بينهما كلب. ولجأ جودار في فيلمه للتصوير بخمس كاميرات مختلفة، بينها كاميرا شبه احترافية وكاميرا هاتف محمول في استكشاف حر للتقنيات الجديدة في التصوير، كما استخدم تقنيتي العرض الثنائي والثلاثي الأبعاد بشكل متواز أحياناً، ليخلق تجربة سردية غير مريحة بصرياً، لكنها معبرة عن حالة التفكك في علاقة البطل والبطلة. وعلى لسان بطليه يجسد جودار أفكاره عن عجز الإنسان المعاصر عن التواصل وارتكانه على سلطة أعلى تحدد له مصيره، وعن مأساة اتخاذ قرار كخوض الحروب. ويضيف إلى صوتيهما تعليقاً صوتياً هو المعادل لصوته كفنان حاول ستين عاماً استغلال الصورة ليجسد رؤيته للحياة. وفي الوقت الذي تستخدم تقنية العرض الثلاثي الأبعاد لتحقيق عنصر الإبهار في أفلام الخيال العلمي والحركة، يستغلها جودار لخلق تجربة مشاهدة غير مريحة لتفاصيل الحياة العادية. ويستخدم جودار أيضاً المونتاج السريع والمبتور أحياناً للصوت والصورة، لا ليكسر نمط السرد التقليدي فحسب، بل ليبرز أيضاً الطريقة التي تبتر بها الشخصيات أفكارها في تواصلها ببعضها بعضاً، بحيث يصبح الكلب في النهاية هو الوسيط بينها والبطل الحقيقي للفيلم. وربما يحمل الفيلم نظرة تشاؤمية لمخرج قرر أن يودع اللغة كوسيلة للتواصل والتعبير، لكن رائد الموجة الفرنسية الجديدة لا يزال يملك القدرة على استكشاف أدوات لغة أخرى، هي لغة الصورة.