استمر العجز التجاري في اليابان للشهر ال16 على التوالي خلال تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وهي الفترة الأطول منذ منتصف ستينات القرن الماضي. وتضخم العجز في شكل كبير الشهر الماضي مسجلاً 1.1 تريليون ين (10.8 بليون دولار)، بعدما فاقت الواردات حجم الصادرات. وأشار الاقتصادي في شركة «آسيا للاستثمار» كميل عقاد إلى أن الواردات نمت 26.1 في المئة على أساس سنوي مقارنة ب16.5 في المئة خلال أيلول (سبتمبر) الماضي. ومنذ كارثة فوكوشيما في آذار (مارس) 2011، أصبحت اليابان تعتمد أكثر على الطاقة المستوردة بسبب إغلاق المفاعلات النووية، ولكن الواردات زادت فعلياً مطلع السنة في وقت أصدر رئيس الوزراء شينزو آبي القرار الحاسم بتسهيل القيود النقدية في محاولة لإخراج الاقتصاد الياباني من حال الانكماش. وأضاف: «هذا القرار تسبب بانخفاض سعر صرف الين أمام الدولار 15 في المئة هذه السنة، بينما زاد ضعف الين كلفة واردات النفط الخام والغاز الطبيعي، التي تمثل أكثر من ثلث الواردات اليابانية». وتابع: «مع انخفاض العملة اليابانية أصبحت الواردات تكلف أكثر بالين، ما يفسر الأرقام المختلفة كلياً التي تشير إليها الواردات عند احتسابها بالدولار والتي تُبيّن أن الواردات تشهد انخفاضاً منذ سنة، ما يعني أن اليابان كانت تنفق أكثر بالين الياباني لاستيراد سلع أقل من السلع التي تباع بالدولار، ما يدل على ضعف الطلب على الواردات». وقال: «كان منتظراً من انخفاض سعر صرف الين أن يعزز تنافسية اليابان عالمياً ويجعل السلع اليابانية أرخص لمستورديها خارج البلاد، ولكن على رغم انخفاض ما يدفعه الأجانب بالدولار مقابل السلع اليابانية، إلا أن عائدات الصادرات بالين شهدت ارتفاعاً، ولذلك تستفيد الشركات المعتمدة على التصدير من الإنعاش النقدي، ولكن هناك إشارات قوية تبيّن أن هذا الاتجاه لن يستمر فترة قصيرة». وفي ما خص الطلب، أوضح أن «الصادرات بالين الياباني تنمو أسرع بكثير من الواردات بالدولار، ما يعني أن الصادرات المستقبلية لن تكون كبيرة بحجم الصادرات الحالية، إذ إن الواردات، مثل الطاقة والسلع المتوسطة، التي تدخل في عملية تصنيع الصادرات، تشهد تباطؤاً». وخلال الأعوام ال10 حتى 2010، كان نصف الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لليابان يأتي من صافي الصادرات. وكانت اليابان لعقود تتمتع بفائض في حسابها الجاري، وفي حال استمرار العجز فسيتحدد مصير الفائض اعتماداً على تدفقات الأرباح من الخارج. ويعد الميزان التجاري الياباني من المؤشرات القائدة، أي التي تسبق التغير الفعلي، للاقتصاد العالمي. وتأكيداً لذلك، أشار مصرف «غولدمان ساكس» إلى ارتباط نسبته 90 في المئة بين «مؤشره القيادي العالمي» وبين الميزان التجاري الياباني تفرقهما فترة ثلاثة أشهر، إذ قد يدل تدهور الميزان التجاري الياباني على تراجع في الزخم الاقتصادي العالمي على المدى المتوسط. وأكد عقاد أن «النظرة المستقبلية لليابان ما زالت غير واضحة، إذ يُرجح تضييق السياسة الصارمة قريباً، بعدما وافق البنك المركزي الياباني تحت ضغط آبي، على مضاعفة معدل التضخم المستهدف ليصل إلى اثنين في المئة وعلى الالتزام ببرنامج شراء الأصول ابتداءً من عام 2014، ما سيشكل ضغطاً على الين، وبذلك تبقى الصادرات اليابانية تنافسية، بينما تزيد كلفة الواردات سريعاً، وقد يسبب انعدام الاستقرار في الشرق الأوسط ارتفاع أسعار النفط، وهي المخاطرة التي ستمنع اليابان من التعافي الذي طال انتظاره». وأضاف: «منذ أصبح آبي رئيساً للوزراء زاد التضخم، إذ كان 1.1 في المئة على أساس سنوي في أيلول، ولكن ذلك بسبب أسعار الطاقة التي ارتفعت 5.4 في المئة على أساس سنوي، بينما بقي معدل التضخم غير الأساس ثابتاً على أساس سنوي، وهو لا يشمل المواد الغذائية والطاقة». ويتطلب رفع أسعار المكونات الأساس ارتفاع الرواتب حتى ينتج منها ارتفاع الإنفاق الشخصي وزيادة الطلب، ولكن مع انخفاض هوامش الأرباح بسبب ارتفاع أسعار الواردات والضعف العالمي، سيصبح من الصعب على الشركات رفع رواتب الموظفين. ولكن القيادة اليابانية تعي هذه العقبة وتنوي خفض ضرائب الشركات على أمل أن ينجم عن ذلك ارتفاع في الرواتب. ومن المحتمل أيضاً أن ترتفع ضرائب المبيعات في نيسان (أبريل) المقبل في خطوة لمواجهة الديون الكبيرة لليابان، ولكن الأهم من ذلك، أن هذه الخطوة قد تدفع المستهلك المحبط إلى الضغط على الشركات لزيادة رواتب الموظفين.