اعتبر خبراء العقار والاقتصاد أن وزارة الإسكان أوجدت فجوة كبيرة بينها وبين شركات العقار المطورة للمساكن، إذ إنها لم تسمح لتلك الشركات بالمشاركة في استراتيجية الإسكان التي روجت عنها الوزارة ولم يتم تطبيقها حتى الآن - على حد قولهم -، مؤكدين أن مشاريع وزارة الإسكان تسير ببطء في ظل الطلب الشديد على المساكن واستغلال تلك الشركات العقارية الخاصة، الطلب على المساكن لرفع أسعار العقار. وأفادوا بأن الشركات الخاصة التي تعود ملكيتها إلى الأمانات في المدن وفرت نماذج إسكانية ميسرة، تستهدف الفئة الكبرى في المجتمع من ذوي الدخل المحدود، مطالبين بضرورة الاستفادة من منح الأراضي التي قدمت للمواطنين في وقت مضى بإيصال الخدمات إليها، وتوفير رسوم بسيطة على تلك الخدمات. وأوضح نائب رئيس اللجنة العقارية في غرفة جدة التجارية عوض الزهراني ل«الحياة»، أن وزارة الإسكان حددت ورش عمل في بداية الأمر مع بعض شركات القطاع الخاص العقارية لإيضاح آلية التعامل معها، بيد أنها وللأسف لم تتطور تلك العلاقة في ما بعد، مشيراً إلى أن الوزارة أخطأت في عدم إشراك القطاع الخاص في مشاريعها، إذ من المفترض تجزئة المشاريع وإشراك القطاع الخاص معها. وأشار إلى أن عدم التنسيق والتواصل بين الوزارة والقطاع الخاص هو تحديد الوزارة شروطاً للقطاع الخاص لا يلتزم بها، بسبب انخفاض الأرباح في نظر القطاع الخاص، مضيفاً: «وزارة الإسكان حددت قيمة السكن 500 ألف ريال حداً أقصى، والقطاع الخاص يريد من الوزارة أراضي داخل المدن من دون مبالغ كبيرة أو رسوم عليها ويتم إنشاء السكن عليها، وبذلك يضمن أرباحاً عالية، إلا أن هذا لا يتفق مع استراتيجية الوزارة». وأكد الزهراني أن قرار «أرض وقرض» كفيل بحل العديد من المشكلات التي تعوق وزارة الإسكان، إلا أن المواطنين ينتظرون منها تطبيق هذا القرار، مبيناً أن تأخر تطبيق هذا القرار جعل كثيراً من مشاريع القطاع الخاص مثل «الفلل» التي تعرضها عالية القيمة، إذ تستهدف الفئة التي لديها رواتب 10 آلاف فأكثر. وأضاف: «الشركات العقارية التي تبني (فلل ديبلوكس) داخل المدن عالية الأسعار، ومن الصعب أن تنجح، إذ إنها وصلت أسعارها إلى 5 ملايين ريال لمساحة 450 متراً، ونسبة الإقبال عليها لا يتجاوز 10 في المئة». من جهته، طالب الخبير الاقتصادي خالد العمري خلال حديثه إلى «الحياة» وزارة الإسكان بتطوير أراضي المنح المقدمة للمواطنين قبل أعوام مضت، وإيصال الخدمات اللازمة للبنى التحتية وذلك بالتعاون مع الأمانات والبلديات، مشيراً إلى أن كثيراً من تلك المنح لا تصل إليها الخدمات ولا زالت تلك الأراضي ذات مساحات كبيرة بيضاء لا يستفاد منها. وأضاف: «أنه في حين إيصال الخدمات إلى تلك المنح، فإنها كفيلة بحل مشكلة الإسكان مدة 10 أعوام في مدن السعودية كافة، إضافة إلى فرض رسوم ضريبية على تلك الأراضي بدفع مبلغ 30 ألف ريال على الأرض في مقابل وصول الخدمات إليها، وبذلك تتم الاستفادة منها وانتعاشها بالمشاريع». ويرى العمري أن مشاريع وزارة الإسكان مع حزمة القرارات التي يجب أن تستخدمها مثل فرض الرسوم على الأراضي البيضاء كفيلة بخفض حاد جداً في أسعار الأراضي، لافتاً إلى وجود مشاريع عدة من القطاع الخاص ذات مستوى جيد، ليس لها علاقة بوزارة الإسكان، تقع بعيدة من المدن، وذات خدمات متعددة وبأسعار معقولة، ساعدت فئة الدخل المحدود في تملك مسكن. وشدد على وزارة الإسكان بألا ترتكب أخطاء فادحة بإعلانها مشاريع سكنية خارج المدن الرئيسة بمسافات بعيدة، إذ إنها عديمة الفائدة، مضيفاً: «مشاريع الوزارة كفيلة بأن تفي بالغرض وتهبط بالأسعار المرتفعة داخل المدن، وعليها أن تطور الأراضي داخل المدن أو القريبة منها، إذ إن البعيدة من المدن لن تنجح في استقطاب الساكنين». من جهته، قال رئيس لجنة التثمين العقاري في الغرفة التجارية بجدة عبدالله الأحمري إن إشكال كثير من شركات القطاع الخاص أوجدت مساكن في المدن لفئة محددة من ذوي الدخل المرتفع، التي تزيد رواتبها على 10 آلاف ريال، ولم توفر مشاريع سكنية للفئة الأكبر التي تبلغ نسبتها 60 في المئة، والتي لا تتجاوز رواتبهم ال10 آلاف ريال، مشيراً إلى أنها شريحة مُهمَلة وغابت عنهم، ويجب أن تستهدفهم تلك الشركات. وأوضح ل«الحياة»، أن الشركات المطورة التابعة للأمانات مثل شركة جدة للتطوير العمراني والبلد الأمين وفرت مساكن معقولة الأسعار لا تتجاوز كلفتها 520 ألفاً، مثمناً تلك المشاريع التي تغطي حاجة نسبة كبيرة من المواطنين ذوي الدخل المحدود. وأضاف: «للأسف أن شركات العقار الخاصة جعلت ارتفاع أسعار الأراضي شماعة لتبريرهم رفع أسعار مشاريعهم، ويجب على تلك الشركات أن تتفق مع الإمدادات والمساعدات التي تمنحها الدولة، مثل البنك العقاري والتأمينات الاجتماعية لمواكبة طلب المواطنين والسيولة المادية التي لديها». ولفت الأحمري إلى وجود فجوة بعيدة بين وزارة الإسكان والشركات العقارية الخاصة، إذ إن الوزارة تطالبهم بمنتج ذي جودة عالية وشروط محددة، فيما ترى تلك الشركات أنها ستؤثر في أرباحهم. وقال إن كثيراً من المواطنين يعولون على وزارة الإسكان كثيراً، بترقب لمشاريعها التي أعلنت عنها مسبقاً ولم تنفذها حتى الآن، من بينها نظام «إيجارة» الذي يعرض المساكن المتوافرة للإيجار على موقع الوزارة، إضافة إلى لائحة الإسكان والعلاقة بين المالك والمستأجر، مضيفاً: «نتمنى أن تكون الوزارة جادة في وعودها التي أطلقتها حتى لا تفقد صدقيتها لدى المواطنين».