أعربت موسكو عن ارتياحها لوتيرة التحضيرات الجارية لعقد مؤتمر «جنيف2» وتحدثت عن «مرونة» من جانب المعارضة السورية. ووجّه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف رسائل قوية إلى طرفي الأزمة السورية، وشدد على ضرورة «حضور كل أطراف الأزمة» المؤتمر، مكرراً موقف بلاده الرافض وضع شروط مسبقة على الحضور. لكنه شدد على «حق كل طرف - مئة في المئة - في طرح ما يريد على طاولة الحوار»، وأشار إلى أن بلاده لمست «جدية الولاياتالمتحدة في دعم التسوية السياسية للأزمة في سورية». واستهل لافروف، أمس، جلسة محادثات مع وفد رسمي سوري ضم نائب وزير الخارجية فيصل المقداد ومستشارة الرئيس بثينة شعبان بمقدمة طويلة جداً استمرت نحو خمسين دقيقة، خلافاً لتقاليد البروتوكول الروسي، وجّه خلالها رسائل قوية إلى طرفي الأزمة السورية، حكماً ومعارضة. وبدأ لافروف حديثه بالإعراب عن ارتياحه لتنشيط جهود التحضيرات لعقد مؤتمر «جنيف2»، وقال إن الجهود جارية حالياً لبلورة فريق موحد عن المعارضة السورية، معرباً عن تأييده هذا التوجه، و «لكن إذا فشلنا في ذلك يجب البحث عن خيارات أخرى»، مشدداً على ضرورة أن «يحضر كل الأطراف السورية، من دون استثناء أي طرف» . وأكد أن بلاده تعمل على إنجاح مؤتمر يصل إلى نتائج ملموسة، وأن الحضور وحده لا يكفي إذ «لا بد من طرح ومناقشة كل وجهات النظر» من أجل الوصول إلى الأهداف المعلنة وعلى رأسها تشكيل هيئة انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة ووضع آليات لإيقاف العنف وإطلاق المعتقلين السياسيين وفتح ممرات إنسانية للمناطق المنكوبة وغيرها من الأولويات الملحة». وشدد لافروف على أن موقف بلاده لا يقتصر على رفض الشروط المسبقة من أي طرف، مصرّاً على «حق كل الأطراف المشاركة - مئة في المئة - في طرح ما تريد من ملفات للنقاش». وقال إن وزير الخارجية الأميركي جون كيري اتصل به هاتفياً قبل يومين، مؤكداً أن التنسيق الروسي - الأميركي متواصل ومكثّف. وأشار إلى «تطورات ايجابية في مواقف الشركاء الغربيين ونلمس جدية الولاياتالمتحدة في دعم مسار التسوية السياسية في سورية». وكان لافروف أشار قبل اللقاء إلى ما وصفها «مرونة» من جانب المعارضة السورية، وقال إن «الائتلاف الوطني السوري المعارض بدأ يُظهر واقعية أكثر في مواقفه». وأكد أن موسكو مهتمة بأن تشكّل المعارضة السورية وفداً موحداً في هذا المؤتمر يشارك في عمل «جنيف 2» على أساس بيان جنيف دون شروط مسبقة من أجل وقف العنف وإطلاق العملية السياسية وإقامة هيئة انتقالية. لكنه اعتبر أن تشكّل وفد موحد ليس شرطاً للمشاركة في «جنيف 2». وقال ديبلوماسيون روس ل «الحياة» إن موسكو تعتبر أن لقاء جنيف المقرر الإثنين المقبل بحضور المبعوث الدولي - العربي الأخضر الإبراهيمي، سيكون حاسماً لجهة محاولة تحديد موعد نهائي لعقد المؤتمر، مشيرين إلى «توافق روسي - أميركي على الموعد نحو منتصف الشهر المقبل». لكن المصادر ذاتها أضافت أن ذلك سيعتمد بالدرجة الأولى على نتائج زيارة مرتقبة لرئيس الائتلاف أحمد الجربا إلى موسكو، متوقعة أن تتم نهاية الأسبوع الجاري، على رغم أن بعض المصادر تحدث عن إبلاغ الجربا موسكو بأنه سيرسل وفداً من المعارضة لإجراء محادثات في العاصمة الروسية مع إمكان أن يزورها هو لاحقاً في ضوء نتائج محادثات وفد المعارضة مع المسؤولين الروس. إلى ذلك، أعرب لافروف في حديث نشرته أمس صحيفة «روسيسكايا غازيتا» الحكومية عن معارضته وضع ملف فتح ممرات إنسانية إلى المناطق المنكوبة في سورية كشرط مسبق لحضور «جنيف2». وقال إن الممارسة العملية أظهرت أنه في كل الحالات التي تم فيها إنشاء ممرات إنسانية كانت تعبر من خلال هذه الممرات ليس المساعدات الإنسانية فحسب «بل أيضاً السلاح والأموال وغير ذلك من أشكال الدعم لخصوم النظام». وزاد أن «الأعراف الدولية تقتضي بأن يتم إيصال المساعدات الإنسانية عبر قنوات حكومة الدولة المعنية حصراً». ونقلت عنه «فرانس برس» قوله في مقابلة مع صحيفة روسية: «حين توضع المطالب جميعها على الطاولة من هذا الجانب وذاك، يمكننا أن نتوصل إلى تسوية من خلال تنازلات متبادلة. وحتى الآن لم نصل إلى هذه المرحلة، لأنه بالرغم من أننا نلاحظ علامات واقعية أكثر فأكثر في صفوف المعارضة، فإنها لم تشكّل حتى الآن الوفد الذي يمثّل مجمل المجتمع السوري». وأضاف أن «الائتلاف الوطني السوري المدعوم من قوى إقليمية وغربية بوصفه الممثل الرئيسي للشعب السوري، وهذا مبالغ فيه لأن الائتلاف لا يمثّل حتى المعارضة كلها، يحاول احتكار هذه العملية». وأكد لافروف «لكن المشكلة انه لا توجد أرضية بناءة يمكن توحيد المعارضين كافة حولها». وأضاف «أن المعارضة السورية في الداخل التي هي بعكس معارضة الخارج التي يمثلها الائتلاف، لديها رؤية تقترح الإبقاء على دولة سورية علمانية وسلمية تحترم حقوق المواطنين. ومن المهم الاتحاد حول أرضية من هذا النوع». وتابع لافروف أن «المثالي هو أن تتمثل المعارضة بوفد واحد وان تتحدث بصوت واحد في جنيف2». ومضى يقول «واذا كان ذلك غير ممكن بسبب أن المعارضين المتشددين يصرون على شروط غير مقبولة، يتعين على المعتدلين العمل على أن يتمثل مجمل القوى السورية بطريقة صحيحة في المؤتمر». في الأثناء قال نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان الزائر لموسكو، إن بلاده لم ترسل سلاحاً أو مقاتلين إلى سورية، لكنه أوضح أن «مسستشارينا العسكريين يقدمون المشورة للسوريين ليتمكنوا من محاربة الإرهاب». وأضاف عبداللهيان في مؤتمر صحافي عقده أمس، أن «مساعدتنا لسورية ستستمر.. وايران بدون شك ستلعب دوراً بناء وفعالاً في تسوية الأزمة السورية سياسياً». وأوضح أن الديبلوماسيين الايرانيين التقوا في موسكو الوفد السوري الرسمي الزائر لروسيا، و «أعتقد أننا نقترب من عقد المؤتمر.. وبحسب معلوماتنا الأولية فإنه تم التأكيد على مشاركة بعض الدول».