يقول فلاسفة علم الاجتماع والنفس إن التفكير السلبي هو حال نفسية تقوم على اليأس والنظر إلى الأمور من الوجهة السيئة، والاعتقاد أن كل شيء يسير على غير ما يراه. تزايدت نسبة التشاؤم في النفس العربية طردياً مع امتلاء الحياة الاجتماعية بالمتاعب والآلام ومحن وأزمات، إذ تغلبت الظلمة وانحسر بصيص النور، وارتفعت صيحات الصراعات الاجتماعية. ورد في السيرة النبوية المطهرة أن من الصفات النبيلة والخصال الحميدة التي حبا الله بها نبيه الكريم ورسوله العظيم صفة التفاؤل، إذ كان صلى الله عليه وسلم متفائلاً في كل أموره وأحواله وفي حله وترحاله وفي حربه وسلمه وفي جوعه وعطشه، وكان عليه الصلاة والسلام يحب الفأل ويكره التشاؤم، هو القدوة الحسنة وحياته مليئة بالتفاؤل والرجاء وحسن الظن بالله سبحانه وتعالى، رسم للبشرية خريطة طريق التفاؤل، ودحر عدوان التشاؤم في النفس، وتركهم على المحجة البيضاء. من الحِكَمْ التي أطلقها مشاهير عن التشاؤم، أنه تسوس الحياة كما قال فيكتور هيغو، والتشاؤم في نظر أوغست ماريو، علامة العجز فنحن نصبح متشائمين عندما نشعر بعجزنا عن السيطرة، وقال بايرون المتفائل يرى ضوءاً غير موجود، والمتشائم يرى ضوءاً ولا يُصدّقه. تدحرجت كرة نار التشاؤم بعد عصور المجد والإنجازات العلمية والفتوحات، فعَمّت الفوضى والانقسامات وحروب طائفية الدول الإسلامية، انهزم التفاؤل أمام أبطال التنافس على كراسي السلطة، وخلال قرون مضت لم نعد نشهد إلا القلة من رموز صانعي التفاؤل على أرض الواقع. الأمم لا تدار بالصّدف وضروب الحظ، وكل أمة قفزت لأعلى مراتب التطور، أشعل قادتها والمسؤولون عن إدارتها فتيل الروح من اليأس إلى أعلى درجات الأمل، لم تكن خطب منابر تتغنى بالتفاؤل الأعمى، إنما إصرار وصبر وتصميم وشجاعة وحسن استغلال للفرص مكنتهم من الإمساك بالمستقبل. «لا أريد أن أرى قوماً متشائمين في هذا البلد، فمن كان بيننا ولا يريد أن يعمل معنا يداً واحدة فليهجر البلاد وليبحث عن وطن آخر»، مقطع من خطاب القيصر غليوم الثاني ملك بروسيا وامبراطور ألمانيا من (1888 – 1918)، كان قائداً عالي المواهب سريع الفهم مُتمكن في التحدث واختيار العبارات. أطلق إلى أمته برنامجه عبر رسالة عميقة المعاني والتوجه وقوة تصميم وإرادة، وكان ذاك قبل أكثر من قرن من الزمان، لم يكن رجل حرب بل كان قائداً بناءً، وشهدت ألمانيا في عهده ازدهاراً اقتصادياً وتقدماً علمياً كبيراً، وتشهد على ذلك مشاريع نُفّذت في الشرق العربي، كمشروع سكة حديد بغداد ومشاريع الري في العراق، وإنشاء سكة حديد الكاب في القاهرة، وقامت ألمانيا في عهده ببناء سكة حديد الأناضول. قام القيصر غليوم الثاني ضمن زيارته التاريخية إلى الشرق 1898 بزيارة دمشق، وأبدى إعجابه الشديد بتراثها الحضاري والإنساني وقصورها التاريخية، ومناظر الغوطة البديعة المحيطة بدمشق، انظروا إلى تسوس الحياة في سورية لأسباب النظرة التشاؤمية، وأين وصلت ألمانيا على رغم هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، الفرق أن هناك قادة قادرين على أن يشعلوا فتيل الروح من قمة اليأس إلى أعلى درجات الأمل، وفي سورية كما في المشرق والمغرب العربي تُوجّه طاقات الأمة إلى إشعال أجواء المدن وساحاتها بخطب الولاء وأصوات التصفيف وأناشيد المدح والرّدح، حتى وصلت العبودية إلى درجة الفداء بالوطن والأرواح، من أجل سلامة القائد المخضرم! أحتفظ في مدونتي الشخصية بمقالة مترجمة للعربية كتبها الكاتب السياسي الأميركي جيمس رستون يقول فيها: «إنني أدعو بكل قوة لأن يكون في كل صحيفة صحافي كفؤ، لا عمل له سوى البحث عن الأخبار الطيبة، ولا أقصد الأخبار السخيفة التافهة عما يصنع الناس بأنفسهم، وإنما أعني بها الأخبار الجادة عن الانتصارات والإنجازات التي حققها الناس في أعمالهم، وعن النواحي الأخلاقية في تصرفاتهم، إن هذه الأخبار مع الأسف الشديد نجدها دائماً مدفونة تحت تراب الإهمال، وأخبار أخرى ننظرُ إليها من خلال المنظار الأسود الكئيب». على رغم نظرة البعض التشاؤمية ما زلت أتابع باهتمام وإعجاب وخوف خطة وبرامج وزارة العمل لتحفيز المنشآت على توطين الوظائف التي وصلت إلى ذروتها بالحملات التصحيحية لأوضاع العمالة المخالفة لأنظمة العمل والإقامة في السعودية. للمرة الأولى، تكشف وزارة في السعودية عن خطة وبرامج مربوطة بجداول زمنية محددة، انفجر على إثرها تسوس النظرة التشاؤمية في أوساط المجتمع والإعلام وكتاب الرأي وأصحاب المصالح وتجار التأشيرات ومكاسب الفوضى، حضرت لقاءاً لوزير العمل قبل انطلاق برامج التحفيز، بعد حديثه والعرض الذي قدمه في اللقاء انبرت ابتسامات صفراء وحمراء وخضراء، حتى كاد الوزير أن يصاب بالتشاؤم، حبست أنفاسي حينها وكتبت بعد اللقاء مقالة «يا وزير العمل لا تشاورهم»، كنت كما كان الوزير نرى أنه لا خيار أمام الوطن. إرادة الحكومة السعودية كانت قوية وحازمة، وفّرت جميع وسائل الدعم والمساندة لوزارة العمل، بدأ التنفيذ وخاب ظن المتشائمين، وعندما بدأت حملات تنظيف سوق العمل من المخالفين للإقامة، عاد تحرش من أصابهم التسوس التشاؤمي وعاطفة إدمان العيش إلى الفوضى بطرق أبواب حقوق الإنسان. من واجبنا الوطني ونحن نرى حسن التخطيط والتدبير لمصلحة الوطن العليا، أن نقف احتراماً وتقديراً لرجال الأمن والشرطة والجوازات، لأعمالهم الميدانية البطولية لنظافة سوق العمل من فلول ضعفاء نفوس تسابقوا على الريال والدولار، وتركوا مستقبل الوطن لمهب الريح، وأقول لوزارة العمل في السعودية، بارك الله أعمالكم، لا تنظري إلى القوم المتشائمين، ادفني مواعيد المهل، ولا تشاوري مع من يبحثون عن مصالحهم الشخصية على حساب مصالح الأمة ومستقبل الوطن، ولا تدعي برامجكم الدافئة تموت من البرد. * كاتب سعودي. [email protected] alyemnia@