تقدم روايات وأفلام الخيال العلمي صورة مبهرة عن التكنولوجيا في المستقبل، قد لا تقبلها العقول، أو على الأقل تشكك في احتمال تحققها، على رغم التقدم العلمي الهائل الذي سجل خلال المئة عام الأخيرة، وتسارع وتيرة الاكتشاف والاختراع والبحث. لكن لو فكرنا قليلاً وتخيلنا أنفسنا نتحدث قبل 300 عام عن "صندوق" يصدر أصواتاً ويعرض الصور (الراديو والتلفزيون)، أو عن جسم يطير بجناحين وينقل أناساً من بلد إلى آخر، لكنا سنوصم حتماً بالجنون، او بأحلام اليقظة في أقل تقدير. ولنا أن نتخيّل تعليقات القراء وردود فعلهم عند صدور رواية جول فيرن "من الأرض إلى القمر" العام 1865، فهل كان هؤلاء يتوقّعون أن تتحقق الرواية بعد مئة عام، عندما حطّت المركبة الأميركية "أبولو "11 على سطح الكويكب؟ حتى أن تحديد فيرن سرعة ومدة الرحلة التي استغرقتها رحلة مركبته الخيالية، وهما 40 ألف كيلومتر في الساعة وأربعة أيام، تطابق مع ما حصل لاحقاً عندما انطلقت "أبولو" إلى القمر بسرعة 38 ألف كيلومتر في الساعة في رحلة استمرت أربعة أيام وبضع ساعات. كذلك تحدّث فيرن في كتابه "عشرون ألف فرسخ تحت البحر" الصادر في عام 1869 عن الغواصة قبل ظهورها واختراعها بعقود طويلة. ولم يكن الكاتب الفرنسي فريداً في رؤيته للمستقبل، ففي العام 1964 تحدّث الكاتب الروسي إسحق آسيموف عن طائرات من دون طيار وتلفزيونات معلقة على الحائط وأجهزة هواتف مرئية، وتوقّع ثورة في عالم "الإنسان الآلي"، حتى أنه ابتكر كلمة "روبوت". ولم تمضَ عقود حتى تحقّق معظم ما تخيّله. وقبل أيام فقط، هبط المسبار "فيلة" على سطح مذنب للمرة الأولى في التاريخ، بعدما أطلق في العام 2004 في مهمة استغرقت عشر سنوات لتحقّق هدفها. وكان فيلم "أرماجدون" عرض في العام 1998 قصّة هبوط مركبة مأهولة على سطح نيزك يهدد الأرض، وتفجيره. وهناك الكثير من روايات وأفلام الخيال العلمي التي تحدّثت عن اختراعات وأحداث مستقبلية لا تكون مقبولة في وقتها، ولكنها تحقّقت اليوم بطريقة ما. فرواية إدوارد هيل "حجر القمر" الصادرة في العام 1869 ورد فيها تصوّر قريب للأقمار الاصطناعية الحديثة، ورواية "عالم جديد شجاع" للكاتب ألدوكس هاكسلي تحدثت في 1932 عن الحقن المجهري وأطفال الأنابيب، لتتم أول عملية حقن مجهري في العام 1978 اي بعد 46 عاماً. وتحدثت قصص وأفلام عن أسلحة تعمل بأشعة الليزر، وها هي الصين تعلن قبل أسابيع عن تطويرها مدافع ليزر مضادة للطائرات الصغيرة من دون طيار. ألا يدفعنا كل هذا إلى عدم الاستخفاف بتوقّعات أيّ كاتب أو مخرج يسبق زمنه؟