السلطات الأميركية ترجّح «الإرهاب» كدافع لعملية دهس أودت ب15 شخصا في نيو أورلينز    مركز التنمية الاجتماعية في جازان يعقد اللقاء الأول للجمعيات التعاونية في المنطقة لعام ٢٠٢٥    سبب اقتراب رونالدو من البقاء مع النصر    الدفاع المدني يؤكد أهمية اتباع إجراءات السلامة عند استخدام وسائل التدفئة    ضبط إثيوبيين في جازان لتهريبهما (89550) قرصًا خاضعًا لتنظيم التداول الطبي    مدرب يوفنتوس : التفاصيل الصغيرة ستكون عامل الحسم بمواجهة ميلان غداً    السعودية تأسف لحادثة إطلاق النار التي وقعت في مدينة سيتينيي بالجبل الأسود    ضبط مواطن مخالف لنظام البيئة لدخوله بمركبته في الفياض والروضات في محمية الملك عبدالعزيز الملكية    قرية "إرث" بالواجهة البحرية بجازان.. وجهة سياحية وترفيهية وثقافية في موسم شتاء جازان 2025    الأمير سعود بن نهار يفتتح مشاريع تعليمية في الطائف    3702 نشاط ودورة تدريبية نفذتها أكاديمية و تدريب صحي جازان    الفتح يواصل استعداداته ومروان والموسى في برنامج علاجي مكثف    «الأرصاد» يكشف تاريخ أقوى موجة برد تعرضت لها السعودية    خبير عسكري مصري ل«عكاظ»: الأزمات النفسية تعصف بجيش الاحتلال الإسرائيلي    31 جواداً من ميدان الدمام يتأهبون للتأهل للمشاركة في أشواط أبطال الميادين    غدًا.. انطلاق رالي داكار السعودية 2025 بمشاركة أكثر من 800 رياضي يمثلون 70 جنسية    وزير الإعلام اليمني: مشاريع ومبادرات «إعمار اليمن» تحقق أثرًا إيجابيًا مباشرًا وتدعم التنمية المستدامة    فيصل بن مشعل يشهد توقيع مذكرة تفاهم لدعم النزلاء المعاقين بسجون بالقصيم    استقبله نائب أمير مكة.. رئيس التشيك يصل جدة    أمير القصيم يرعى حفل تكريم أهالي البكيرية لأبنائها الأوفياء    الأربعة أعوام الماضية ترفع نسبة التوطين بين الحرس الوطني والشركات إلى 100%    الذهب يواصل مكاسبه في العام الجديد مع ضعف الدولار وتوقعات الحذر لأسعار الفائدة    «الجوازات» تعاقب مخالفين ب19914 قراراً إدارياً    مجمع الملك سلمان العالمي للُّغة العربيَّة يُطلق معجم مصطلحات الخطوط الحديدية    وصول الطائرة الإغاثية السعودية الثالثة لمساعدة الشعب السوري    محافظ محايل يلتقي مدير عام فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية    السلطة الفلسطينية توقف بث قناة الجزيرة    تشغيل مهبط طائرات الإخلاء الطبي ب«أملج العام»    نائب أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الرياضة بالمنطقة    خطر ثلاثي يهدد الدماغ    5 عادات شائعة تُسرّع شيخوخة الدماغ    حماية التوحيد منذ فجر التأسيس إلى العهد المجيد    قلوب متحجِّرة    قليل من الكلام    الملك عبدالعزيز وفلسفة التوفيق    حديقة الحيوان بين التراث والحداثة    أحسن إلى نفسك    توافق سوري - مصري لتحقيق الاستقرار    عامٌ جديد وصفحةٌ نخطُّ فيها العمل والبناء    لماذا تراجع الأخضر كثيراً ؟    حصاد رابطة أندية الدرجة الأولى للمحترفين في 2024    القيادة تهنئ رؤساء السودان وسويسرا وكوبا وسلوفاكيا    6200 دولار سعر شريحة خيار مخلل    صندوق تنمية الموارد: توظيف 169 ألف مواطن خلال 3 أشهر    5 مجمعات جديدة للاستثمار التعديني    أمسية شعرية في ختام فعاليات «عام الإبل» في جدة    وزارة الثقافة تدشن مبادرة «عام الحرف اليدوية 2025»    أمين الرياض يطلق مشروعات تنموية في الدلم والحوطة والحريق    «الثقافة» تُطلق «هاكَاثون الحِرَف» ضمن مبادرة «عام الحِرَف اليدوية» 2025    «الداخلية الكويتية»: القبض على متهم هارب صادر بحقه 11 حكماً بالحبس واجب النفاذ    المملكة تنظم دورة للأئمة والخطباء في نيجيريا    يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل    أبو منذر وباحويرث وبن سلمان يحتفلون بزواج محمد وطلال    "ضمان" العاصمة المقدسة يكرم كشافة الشباب    جازان: نجاح أول عملية كي للعصب الكلوي    القصيم: إطلاق مبادرة «نقطة تواصل» لتبادل الخبرات الطبية    مستشفى القطيف يناقش أمراض الأطفال الشائعة    نائب أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الرياضة بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دروس تجربة «إخوان» مصر في الحكم
نشر في الحياة يوم 12 - 11 - 2013

تشهد مصر مأزقاً خطيراً، لا يمس فقط أمنها ومستقبلها، بل أمن ومستقبل المنطقة العربية، في ظل صراع دام يخترقها. فلا خلاف على أن مصر هي قلب هذه المنطقة النابض، وسقوطها في قلب الصراع سيعلن حتماً عن سقوط آخر معاقل الاستقرار في المنطقة. وفي هذه اللحظات الصعبة بات من الواجب على جميع الأطراف في مصر إجراء مراجعات مصيرية، لأجل مستقبل مصر والمنطقة العربية.
يقوم فكر جماعة «الاخوان المسلمين» في مصر على ركيزة الدين الاسلامي ومبادئ الشريعة الاسلامية وأحكامها. ومارست الجماعة السياسة وانخرطت فيها منذ نشأتها، فكان هدفها الوصول إلى الحكم، عبر أسلمة المجتمع بشكل تراكمي، والذي سيفرز في نهاية المطاف، كما تطلعت الجماعة، حزباً إسلامياً لحكم البلاد. جاءت مساعي الجماعة إلى الحكم بعد ثورة يناير 2011، بتراجعها عن وعودها بعدم نيتها التنافس في الانتخابات الرئاسية في ظل نجاحها في الانتخابات التشريعية، ليقوض مقاربتها السياسية ويشكّك في صدق نياتها. فعدم تحقيق الجماعة للأسلمة التي سعت اليها، أبقى الفجوة واسعة بين فكرها الديني وفكر غالبية شرائح المجتمع المصري.
ويعود اندماج جماعة «الاخوان» في اطار العمليات السياسية المصرية، والتي لا تقوم على أساس ديني، على مدى العقود الثمانية الماضية، إلى استبعادها امكان وصولها إلى الحكم في ظل نظام سياسي سلطوي، وعدم نيتها أو قدرتها على قلب نظام الحكم بالقوة. فأجرت الجماعة مراجعات لمفاهيمها وأفكارها وأعادت تكييفها، بما يواكب الاحداث والتطورات التي مرّ بها المجتمع والدولة المصرية.
وقد ساعد الجماعة على ذلك عدم وجود نموذج سياسي إسلامي مرجعي تحتذي به. فلم ير حسن البنا أي تعارض بين النظام الاسلامي والنظام النيابي، ودعت الجماعة في بياناتها الحديثة إلى إنشاء نظام دستوري برلماني جمهوري ديموقراطي، وانخرطت بالفعل في العمل السياسي ضمن النظام المختلط الرئاسي البرلماني.
إلا أن فكر الجماعة بقي محكوماً بالاطار الاسلامي الديني، وبقيت مراجعاتها وتكييفها للمفاهيم التي تبنتها، أسيرة لحدود فكرها، ما أفرغها من مضمونها، وشكّك في حقيقة توجهات الجماعة السياسية. فإصرار الجماعة على عدم قبولها بتقلد المرأة وغير المسلم حكم البلاد، شكّك تلقائياً بمبادئ المواطنة والمساواة التي تدعو اليها الجماعة. كما جاء اصرار الجماعة على الالتزام بمبادئ حقوق الانسان ضمن اطار الشريعة الاسلامية، سنداً اضافياً يفرغ المبادئ الديموقراطية التي تدعو اليها الجماعة من مضمونها.
بقيت الجماعة ملتزمة بالاطار الفكري الديني للحكم، الذي سعت لارسائه في الدستور عبر وجودها في البرلمان كمعارضة، ومارست الاقصاء السياسي لفرضه في تعديلات دستور 2012. وبقيت تحالفاتها محكومة بالاطار الايديولوجي والتشكيك بالآخر، فخضعت قبل صعودها إلى الحكم لاعتبارات التعاون أحياناً مع القوى السياسية المختلفة لتحقيق المصالح المتبادلة في مواجهة النظام الحاكم، إلا أن المنافسة على السلطة واقصاء الاخر أصبحا بعد ذلك الاعتبار الحاكم لتحالفات الجماعة.
أساءت الجماعة خلال عهد الرئيس محمد مرسي القصير، استخدام سلطتها في ظل تشكيك الآخر بنياتها، فاتهمت بأخونة المجتمع. وسعت إلى اقصاء المؤسسة القضائية وتحييد دورها، فأقالت النائب العام، وعمل الرئيس مرسي على تحصين قراراته السياسية ضد أي طعن قانوني، وضغطت الجماعة للاستغناء عن ربع الكادر القضائي المخضرم تقريباً، على رغم أن القضاء المصري طالما سعى الى انصافها عندما كانت في المعارضة. وأخرجت الجماعة في عهد سلطتها دستوراً ذا الصبغة الأكثر دينية في تاريخ مصر. وعكست تشكيلة حكومتها مدى الاقصاء السياسي الذي مارسته خلال عهد حكمها. فهي أقحمت الآلاف من أتباعها في مؤسسات الدولة وسيطرت كوادرها على مفاصل الدولة المصرية، بدلاً من العمل على حل مشكلات البطالة والشباب في المجتمع المصري. وتصاعدت أزمة علاقة الجماعة بالجيش المصري عندما هددت قيادات الجماعة باللجوء إلى العنف، ومارسته، بعد ازاحة الجيش للرئيس.
الا أن ما وصلت اليه أحوال مصر اليوم لا يعود فقط إلى سوء تجربة «الاخوان» في الحكم التي لم تتجاوز العام. وتمثلت أكبر معضلة داخلية واجهت الجماعة، في أنها جاءت إلى السلطة من دون اطار سياسي حاكم ومحدد ومتفق عليه للدولة المصرية، تلك السيولة الدستورية سمحت للجماعة باستغلالها في فرض فكرها وسياستها. جاءت طريقة الجيش في اقصاء الجماعة عن الحكم، سبباً رئيساً في تفاقم الازمة المصرية،. فاعتقل الجيش الرئيس مرسي وقيادات «الأخوان» وأغلق محطاتهم الاعلامية.
لقد شكل أداء جماعة «الاخوان» في ادارة شؤون مصر عاملاً سلبياً في الحكم على مستقبل جماعات الاسلام السياسي عموماً في قيادة السلطة في المنطقة العربية، ومن الصعب أن تنجح جماعة «الاخوان» في ذلك طالما بقيت تخلط بين السياسية والدين. فعليها أن تعيد مراجعة حساباتها، فإما البقاء كجماعة دينية دعوية غير سياسية، وإما الانخراط في العمل السياسي وفق مبادئ الشراكة السياسية والعدالة الاجتماعية وحقوق المواطنة والأسس الديموقراطية في الحكم. إلا أن الجماعات الاسلامية، ومن بينها جماعة «الاخوان المسلمين»، تبقى جزءاً أصيلاً من بنية المجتمعات العربية، وليس هناك امكانية لاستبعادها أو تقويضها، وتبقى مقاربة الولايات المتحدة بوصم الاسلاميين بالارهاب والتشكيك بنياتهم مسبقاً مقاربة غربية. كما لا بد من التعامل مع التدخلات الخارجية عموماً بحذر ومراجعة متأنية، خصوصاً أن تجربة الدول العربية مع مثل تلك التدخلات جاءت بآثار مدمرة عليها، كما حدث في العراق أولاً ثم ليبيا وسورية، واليوم في مصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.