طوفان خير ومحبة وسلام اجتاح بيروت وبعضاً من ضواحيها. هو «طوفان» من أجل لبنان كما أرادته جمعية «بيروت ماراثون» منظّمة سباق الماراثون الذي بلغ عامه الحادي عشر، وحمل رعاية مصرف لبنان وشعار «منركض للبنان»، فجاء معبّراً في ظل ظروف صعبة، مثبتاً أن ما يجمع اللبنانيين كثير وأن الرياضة قوة تغيير إلى الأفضل. أرقام قياسية حُطمّت في اليوم التشريني الدافئ على عكس العام الماضي حين أقيم السباق وسط عواصف وأمطار غزيرة. فأكثر من 36 ألفاً شاركوا من بينهم 1620 لبوا النداء من 104 بلدان. كما أن لبنانيين قدموا خصيصاً من الخارج. والسباق الذي يخدم أهدافاً وقضايا اجتماعية وإنسانية وتنموية كثيرة، حشد هذه السنة 114 جمعية. وكان ساهم العام الماضي في تأمين 500 ألف دولار لأعمالها ومشاريعها، علماً أن 9 جمعيات واكبت انطلاقته الأولى عام 2003. والمناسبة التي لوّنت شوارع ومناطق ازدانت بأعلام لبنان وألوان الفرح، وانخرط في إنجاحها القطاعان الرسمي والأهلي، جمعت أيضاً وزراء ونواباً وسفراء وشخصيات ونجوماً وضيوفاً كثراً، في مقدمهم زوجة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان راعي السباق، السيدة وفاء التي قلّدت رئيسة جمعية «بيروت ماراثون» مي الخليل وسام الأرز من رتبة ضابط. وأعلنت أن الحدث «محطة تجمع الفرح والمنافسة، وتظهر الصورة المشرقة الحقيقية للبنان على رغم الظروف والتحديات». وهي شاركت داعمة مؤسسة «يدنا» التي تعنى بصحة قلب المرأة. وقال رئيس لجنة الشباب والرياضة البرلمانية النائب سيمون أبي رميا، الذي خاضت عائلته إحدى فئات السباق، إن المشاركين «وجّهوا بهذا الحضور الكثيف والحماسة والحيوية نداء إلى السياسيين المتخاصمين مفادها: كفى رجاء ظن اتفقوا». كما كان لافتاً تصريح وزير الشباب والرياضة فيصل كرامي الذي تمنّى فيه أن «يقام في السباق العام المقبل في ظل حكومة جديدة ورئيس جديد». وتنوّعت الأهداف التي ركض من أجلها كثيرون، ومنها «الذهب الأزرق» الشعار الذي رفعه «ملتقى التأثير المدني» من أجل تحويل مياه لبنان المهدورة إلى ثروة وطنية، وإطلاقه خطة خمسية توفر 50 مليون متر مكعب إضافية بعد خمس سنوات. و»حمل» أحمد الغول المشارك على دراجة متحرّكة طلب إقرار القانون 220/2000 الذي يُعنى بالإعاقة وشؤون المعوقين وتسيير حياتهم اليومية. وأبى مايكل حداد الا أن يكمل مسافة سباق فئة 5 كلم من دون الاستعانة بكرسيه المتحرّك. وخاض المغامر مكسيم شعيا مسافة الماراثون مع 11 سفيراً معتمداً في لبنان للتوعية من التوحّد. كما كان لافتاً دعم عائلة نعوشي للعاملة في منزلهم الإثيوبية اريغو أباتي المشاركة في مسافة 10 كلم. وهي وجه مألوف في السباقات المحلية ومنافِسة جيدة. ويحرص أفراد العائلة على متابعة إعدادها اليومي وخضوعها للحصص التدريبية في أحد الأندية. هكذا يجسّد السباق ديموقراطية اجتماعية متكاملة، كما يتيح فرصاً ويفتح أبواباً لأمثال الكفيف الأردني سهيل نشاش الذي حسّن رقمه الشخصي بنحو 10 دقائق في الماراثون مسجلاً 3،10 ساعة. ويطمح إلى أن يكون أول عربي كفيف يتأهل للسباق في الدورة البارالمبية في ريو دي جانيرو عام 2016. والجانب الاجتماعي – الإنساني المتنوع لم يحجب المنافسة الرياضية على مسار متطلّب. وعموماً لم تفلت الألقاب الأساسية في السباق الأساسي (42،195كلم) من قبضة عدائي النخبة الأجانب. وقد تقاسمها الكينيون والإثيوبيون. فعند الرجال، فاز الكيني وليام كيبسانغ (36 سنة) ثالث العام الماضي وبطل ماراثون روتردام عام 2005 (2،05،49 ساعة) مسجلاً 2،13،35 ساعة. وتصدرت منصة تتويج السيدات إثيوبية بطلة نسخة 2012 رحيمي كيدير بوقت مقداره 2،33،31 ساعة. واعتبرت مي الخليل أن لبنان «ركض لقضاياه» محتضناً جسور تواصل. وأضافت: «الجري إدمان صحي. وشخصياً لم يكن جري المسافات الطويلة جيداً لصحتي البدنية فحسب، بل ساعدني على التأمل وبناء أحلام كبيرة، فكلما ركضت مسافة أطول زادت أحلامي وآمالي».