تنشغل القوى الدولية والإقليمية المعنية بعقد مؤتمر جنيف – 2 للحل السياسي في سورية بسجال علني، وبنقاش تحت الطاولة حول تفسير تطبيق قرار جنيف – 1. فتنفيذ ما يتضمنه البيان الصادر عن «مجموعة العمل من أجل سورية»، الصادر في 30 حزيران (يونيو) 2012، كان في صلب التفاهم الروسي - الأميركي الذي حصل في شهر ايلول (سبتمبر) الماضي على التخلص من السلاح الكيماوي السوري. وحين ووجهت موسكووواشنطن باستحقاق الحل السياسي سارعتا الى بدء التحضير لجنيف – 2، على قاعدة جنيف – 1، حتى لا تتهما بأنهما تركتا جوهر الأزمة السورية التي تحولت الى حرب أهلية بين النظام ومؤيديه من جهة ومعارضيه ومن يساندهم من جهة ثانية. إلا أن اصطدامهما بالعوائق دفع كلاً منهما الى العودة الى مواقفهما الأصلية. تدرك موسكو أن التفاهم على الكيماوي، وإن سمح بإطالة عمر نظام بشار الأسد، لا يعني أنه جرى تكريس بقائه في السلطة أو أن هذا يقود الى اعتراف خصومه السوريين والإقليميين والدوليين بهذا الواقع. فميزان القوى رسا على معادلة عدم هزيمة الأسد، لا على انتصاره. كما أن موسكو تدرك أن المساعدة التي تلقاها الأسد من إيران و «حزب الله» والميليشيات العراقية المقاتلة الى جانبه ميدانياً سمحت له باستعادة بعض المواقع أو صد هجمات في مواقع أخرى، تتيح له الصمود في شكل لا يخولها أن تبحث مع شريكتها واشنطن في مصير الأسد، من دون التوافق مع إيران على ذلك. وهي لذلك باتت تعتبر أن تطبيق جنيف – 1، لجهة قيام هيئة حكم انتقالية تمارس كامل السلطات التنفيذية، لا تعني تسليم الأسد السلطة، فيما التفسير الدولي المتعارف عليه لهذه الفقرة هو أن يسلم سلطاته، حتى لو بقي رئيساً لسورية، تمهيداً لإيجاد المخرج المناسب له. إلا أن موسكو ذهبت الى تغطية عجزها (أو عدم رغبتها) عن ضمان انتقال السلطة، بالتركيز على رفض المعارضة السورية حضور جنيف – 2 واتهامها بوضع الشروط المسبقة، إذا كان شرطها تطبيق الفقرة المتعلقة بالهيئة الانتقالية. أما واشنطن فتدرك أن تخلّصها من الكيماوي لا يعني أن بإمكانها إدارة ظهرها لجوهر الأزمة وأن عجزها عن إزاحة الأسد وتطبيق الفقرة المتعلقة بالهيئة الانتقالية التي تمارس الصلاحيات التنفيذية بات يهدد علاقتها بحلفائها في المنطقة وبالتالي يجردها من أوراقها التفاوضية سواء مع موسكو أم مع طهران حول ملفها النووي ونفوذها الإقليمي. ولذلك سعت لدى المملكة العربية السعودية الى إعادة تثبيت ما يجمعهما، في شأن أمن الخليج من جهة، وفي شأن الأزمة السورية من جهة ثانية، عبر تطمينها بأنها لن تتخلى عن المعارضة السورية ومطالبتها بأن تحضر جنيف – 2 على هذا الأساس وأن تبذل جهودها مع المعارضة لأن تقبل المشاركة في المؤتمر من جهتها، لتنفيذ جنيف – 1. وإذا كان هذا التوجه يثبت مدى التزام واشنطن باتفاقها مع موسكو على عقد المؤتمر، استكمالاً للتفاهم على الكيماوي، فإن الأخيرة تعتبر أنها قامت بما عليها لجهة دفع الأسد الى القبول بحضور المؤتمر، من دون شروط مسبقة... وهي تحاذر الحديث عن «ممارسة الحكومة الانتقالية كامل السلطات التنفيذية». فالعبارة نفسها هي التي تتجنبها طهران ولذلك تحاذر الحديث عن قبولها بجنيف -1. وباستمرار الخلاف على تفسير جنيف – 1 والمرحلة الانتقالية، من الطبيعي أن تغلب الرمادية على المرحلة التي تسبق جنيف – 2، وأحد مظاهر هذه الرمادية ما يشهده لبنان، حيث يعتبر «حزب الله» منذ التفاهم الروسي – الأميركي على الكيماوي، وبدء الانفتاح الأميركي – الإيراني، أنه حقق تفوقاً على الجبهة الإقليمية اللبنانية المعادية للنظام السوري، لا سيما بعد أن حقق هذا النظام تقدماً على الجبهات خلال الشهرين الماضيين في شكل يضمن حماية دمشق من أي هجوم. ولا يعترف الحزب برمادية المرحلة، ويعتبر أن ارتياحه وحلفاءه لما تحقق دولياً وإقليمياً وميدانياً، يجب أن يترجم لبنانياً، قبولاً بخياراته للخروج من الفراغ الحكومي، ولمعالجة وسائل إدارة البلد. ويرى أنها الفرصة السانحة كي تنعكس قراءته لتفوقه مع حلفائه، على القرار اللبناني وفي الحكومة المقبلة. إلا أن المرحلة الرمادية تدفع خصومه المحليين الى الامتناع عن التسليم بقراءته للتحولات الحاصلة. وهذا ما يفسر، ربما، درجة التوتر العالي التي يتسم بها خطاب قادة الحزب، تجاه هؤلاء الخصوم، وتجاه المملكة العربية السعودية وسياستها. والأرجح أن رمادية المرحلة التي تسبق جنيف – 2 المفترض، ستدفع إيران والحزب الى السعي لإخراج سورية ولبنان من هذه الرمادية، نحو المزيد من الخطوات العسكرية في البلدين، على رغم التكلفة العالية لهذه الخطوات، وعلى رغم أنها ستزيد من إغراق الحزب في رمال سورية وحال الكرّ والفرّ التي تتحكم بالحرب الدائرة فيها.