لا يمكن توقع العجائب من مؤتمر أصدقاء سورية في روما. فأي توجه نحو حسم الأزمة في سورية (وفي غضون أشهر قد تمتد سنة ثالثة حتى لا تبدو فرضية الحسم كثيرة التفاؤل) يتطلب واحداً من اثنين: 1 – أن ينتهي الى تفسير موحد لقرار مجموعة العمل من أجل سورية الصادر عن اجتماع أصدقاء سورية في جنيف في 30 حزيران (يونيو) 2012 في ما يخص تشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحية، بحيث لا تعود موسكو تمارس المناورات الديبلوماسية حول ما إذا كان هذا يعني بقاء الرئيس بشار الأسد في منصبه أم لا، وأن يقود أي اتفاق الى أن تتخلى موسكو، ومعها بيجين، عن استخدام الفيتو في وجه أي قرار دولي يتطلب خطوات ضاغطة على النظام السوري ما يؤشر الى رفع الدعم الروسي عنه، من أجل تطبيق خطة حل سياسي يكون مؤتمر روما توصل الى رسم خطواتها التنفيذية. 2 – أن تغادر واشنطن ترددها، وسياسة الخبث تجاه الوضع السوري وتحسم أمرها، على الأقل بالإجازة للدول الراغبة في مد المعارضة السورية بالأسلحة النوعية، لمواجهة الأسلحة النوعية الروسية الصنع وغير الروسية التي تستخدم في الحروب الكبرى، بين الدول، والتي يرمي بها النظام السوري أحياء وأزقة وحارات في حمص وحلب ودمشق وريفها... ومنها صواريخ سكود، وهي أسلحة إذا حصلت عليها المعارضة أعانتها على تثبيت أقدامها في المناطق التي تسيطر عليها. أما عدا ذلك، فسيحوّل مؤتمر روما الى مجرد محطة سيتبعها اجتماع آخر بعد أشهر، في سياق عملية إطالة الأزمة السورية التي باتت واحدة من ميادين الصراع الدولي والإقليمي. وسيحوّل أصدقاء سورية «دولاً مانحة» مهمتها التعاطي مع الوضع الإنساني الناجم عن استمرار القتال أكثر عنفاً ودموية، تجتمع في إطار مؤسسات حقوق الإنسان واللاجئين لإطلاق وعود بإعانة أكثر من مليون نازح تحول دون الوفاء بها الأزمات الاقتصادية التي تمر بها هذه الدول، فيما مجازر شبيحة النظام تتوالى كل يوم في حق السوريين. كانت حجة موسكو رفضها صدور قرار عن مجلس الأمن، ضرورة وقف تسريب السلاح للمعارضة كوسيلة ضاغطة عليها لتُقبِلَ على الحوار مع النظام من أجل الحل السياسي. وحين تجاوبت واشنطن وألزمت دولاً أخرى بالامتناع عن هذا التسليح الموعود منذ الصيف الماضي، لم تحصل السياسة الأميركية، ومعها دول الغرب على أي مقابل من موسكو، سوى موقف لفظي بأن روسيا لا يهمها شخص الأسد أو بقاؤه في السلطة، بل أن ما يهمها مصير سورية. وهو حرص لم تترجمه عملياً، بل هي هربت منه الى التلاقي مع واشنطن على التحذير من تنامي نفوذ التنظيمات الإسلامية المتطرفة القريبة من «القاعدة»، ومنها جبهة «النصرة». تلاقت الدولتان المتنافستان على هذه الحجة كل لهدف: موسكو لتبرير مواصلتها دعم النظام الذي تلقى ضربات على يد هؤلاء الإسلاميين زادت في قوتهم ومن اعتماده على سكود والمجازر، وواشنطن لتغطية سياسة الانكفاء في الشرق الأوسط واستنزاف سورية وإيران ولجذب المتطرفين الى الميدان السوري كي يقتلوا ويستنزفوا فيه، فإذا بهم يزدادون قوة وانتشاراً وينافسون المعتدلين ويقلقون الحليف الإسرائيلي. وقد يكون الإعلان الأميركي عن رفع المساعدة الإنسانية وبالمواد غير القتالية، والمال (60 مليون دولار)، للمعارضة محاولة لاستدراك الدعم للائتلاف الوطني السوري. لكنه دعم لا يرقى الى المساعدة في حسم الأمور على الأرض لإجبار الأسد على التنحي، وأكثر ما يفعله هو تحسين موقع المعارضة في الكرّ والفرّ، في انتظار نضوج الحل. فيما تسود في مؤتمر روما (وقبله) لغة الحل السياسي، التي سيناور نظام الأسد لإجهاضها لأن هذه طبيعته، بينما تتصاعد رائحة الدم والأشلاء والمجازر ومظاهر الدمار، لا يجيب التفاهم الغربي – الروسي على إعطائه الأولوية عن السؤال حول موقف إيران منه. فهي اقترحت أن تشمل المفاوضات حول ملفها النووي مع مجموعة 5+1 التي عقدت في كازاخستان قبل يومين، الوضع في كل من سورية والبحرين، الأمر الذي رفضته الدول الغربية. لطهران مقاتلون على الأرض في سورية بالتعاون مع «حزب الله»، تحاول عبرهم مساعدة النظام على الاستمرار والتفوق، فهل يمكن هذا الحل السياسي أن ينجح من دونها؟ وهل الحل السياسي الذي تقبل به هو ما يسعى إليه أصدقاء سورية؟ روما من فوق غير سورية من تحت.