لعل مأساة مقتل شابين من أعضاء أو أنصار حزب الفجر الذهبي كانت آخر ما تطلبه السلطات اليونانية، وأكثر ما يفيد قيادة الحزب المحتجزة في السجون بتهمة تشكيل عصابة إجرامية. فقد حوّلت هذه المأساة صورة الحزب النازي من عصابة إجرامية قتلت خلال الفترة الماضية ناشطاً يسارياً معادياً لها، إلى حزب ضحية تلقى ضربة إجرامية أو إرهابية أودت بحياة إثنين من أعضائه فيما يعاني عضو ثالث من جراح خطرة. والملفت في تصريحات نواب الفجر الذهبي في كلا الحالتين أنهم تبرأوا مباشرة من عضو الحزب الذي قتل الناشط اليساري، بل أخذت مواقعهم تروّج أنه من أنصار الحزب الشيوعي، على رغم وجود صور حديثة له تؤكد إشتراكه في نشاطات الفجر. أما في الحالة الأخيرة فقد سارع الناطقون بإسمه إلى التأكيد أن الضحيتين هما من أعضاء الحزب. وألقى نواب الحزب اللائمة على الحكومة اليونانية التي كانت سحبت عناصر الحراسة من أمام مقراتهم واعتقلت عدداً من أنصارهم وصادرت رخص حمل السلاح منهم. فيما طالبت إيليني زاروليا، زوجة زعيم الحزب وأحد نوابه، وزير الأمن بالإستقالة وإتهمته بالمسؤولية المعنوية عن حادثة الاغتيال، واعتبرت أنه بعد سحب الحماية الأمنية من مقرات الحزب سيرسل فرق الإغتيال إلى بيوت أعضائه. وزير الداخلية اليوناني نيكولاوس ذيندياس إعتبر أن القانون سيطبّق على الجميع ولن يكون مسموحاً أن تتحول البلد إلى مسرح لتصفية الحسابات لأي سبب. ويشير تسلّم مصلحة مكافحة الإرهاب في وزارة الداخلية اليونانية للقضية إلى الأهمية التي توليها السلطات للموضوع. كما دانت الأحزاب والشخصيات السياسية الحادث. وسارعت المواقع الإخبارية التابعة لليمين اليوناني المتطرّف إلى إتهام المجموعات اليسارية المتشددة بالمسؤولية عن الهجوم، في محاولة لضرب شرعية حزب تجمّع اليسار الراديكالي «سيريزا»، الذي تنسب هذه المجموعات إلى طيفه السياسي الواسع. من جهته إتهم «سيريزا» مجموعات تابعة للدولة العميقة بالمسؤولية عن الحادث، في تلميح للعناصر اليمينية المتطرفة القابعة في الأجهزة الحكومية. عارف العبيد، الأستاذ في جامعة بانديون للعلوم السياسية في أثينا اعتبر أن مقتل شخصين من حزب الفجر الذهبي يشير إلى إستمرار مسلسل العنف في اليونان، ولا يستبعد أن تكون هذه الهجمة ردة فعل على إغتيال الناشط اليساري بافلوس فيساس من قبل أعضاء هذا الحزب النازي. كما أوضح العبيد في تصريحات الى «لحياة» أن الأزمة الاقتصادية في اليونان لم تؤثر فقط على الحالة المعيشية بل إمتدت لتشكل آثاراً إجتماعية ضحيتها الاولى هم الأجانب المقيمون في اليونان، وتحديداً غير الشرعيين لأنهم معرضون لاعتداءات أعضاء الفجر الذهبي وللإعتقال من قبل السلطات. وقال إن استمرار الوضع الاقتصادي الرديء سيكون دافعاً قوياً لإستمرار مسيرة العنف في المستقبل القريب، وإن تقوية هذا الحزب النازي في نظر الرأي العام اليوناني من خلال الإستطلاعات المنشورة أدّى إلى إحراج أثينا أمام الاتحاد الإوروبي، ما أجبرها على إطلاق إستراتيجية لتحجيم قوته، خصوصاً في مرحلة الإنتخابات النيابية المقبلة.