لا يتوانى اللاجئون الفلسطينيون في مخيمات لبنان، وبوسائلهم المتواضعة، عن العمل لإحياء تراثهم الوطني، على رغم العوائق التي تحاصر محاولاتهم؛ فسعى ناشطون في المخيمات إلى إضاءة شعلة تعيد عبق التاريخ الفلسطيني. وأفسحوا مكاناً لصور الشهداء المزيّنة والرسوم التشكيلية والمنحوتات وحتى للعزف والشعر، وكل أشكال الفن التي تتعلّق بالتراث، لتظل القضية عنواناً وهدفاً. بين ثنايا المخيم، لا يقتصر الإبداع على فئة عمرية معيّنة. أطفال ونساء وشبان في مقتبل العمر، تركوا بصمة واضحة في المكان، بجانب مسنين حرصوا على السعي لإيصال محاولاتهم. أحمد البنّا (70 عاماً)، متقاعد فلسطيني من مخيّم برج البراجنة في بيروت، تفرّغ للنحت بعدما تقاعد عن التعليم في مدارس "أونروا". وتحوّلت هوايته إلى مصدر دخلٍ في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها اللاجئون. وفي ذكرى "يوم الأرض" ومناسبات وطنية أخرى، تعجّ المعارض الفلسطينية في لبنان بقطع فنية وأشغال يدوية، أبدعتها أيدي فلسطينيات. وبرزت منها الأزياء التراثية واللوحات الفنية المطرزة وحمّالات المفاتيح والعلب الخشبية المميزة، وغيرها من الصناعات المرتبطة بالهوية الفلسطينية. وفرقة الكوفية التراثية التي تضم أطفالاً من مختلف أحياء مخيّم عين الحلوة في جنوبلبنان، باتت تحيي حفلات فنيّة، وتقدّم عروضاً وطنية. ويتدكّر مئات الفلسطينيين الذين خرجوا من المخيّم، حياتهم فيه والمساكن التي عاشوا فيها. محمد خلف، واحد من هؤلاء. ففي مخيّم مارالياس، قضى ليالٍ طويلة في الدراسة الى أن حاز شهادة جامعية في الفنون الزخرفية بتقدير إمتياز، ثم حصل على منحة دراسات عليا، قدمتها له وكالة "أونروا"، لمتابعة الدراسة في جامعة "إيدينبرغ" في اسكوتلندا. أما نديم عبد العال (17 عاماً)، من مخيّم البصّ جنوبلبنان، فكانت لديه مواهب عدّة، أبرزها الدراما والمسرح. ولم تقف الصعوبات التي عاشها داخل المخيم يوماً أمام طموحاته وأحلامه. اكتشف نديم موهبته وطورّها، من خلال تفاعله مع أنشطة "جمعيّة أطفال الصمود". وأتيحت له فرصة المشاركة في عروض مسرحية في صور، كما شارك في إعداد مسرحيات تم عرضها في بلدان مختلفة، تناولت أحداثها الواقع الذي عاشه أطفال المخيمات. على رغم أهوال اللجوء وآلام العيش في المخيمات، تمكّن الفلسطينيون من أن ينصرفوا الى العلم، وإلى إعادة تأسيس أنفسهم كجماعة بشرية متآزرة، لها طموحات سياسية واجتماعية في الوقت عينه. وفي هذا المجال، لمع بينهم كثيرون، لا سيما في حقل الإبداع الأدبي والعلمي. ويصرّ فلسطينيون كثيرون داخل المخيمات على إيصال صورة عن واقعهم إلى العالم، في تحدٍ واضح للمأساة، ومحاولة لتغيير الوضع القائم والعودة الى ربوع الوطن.