وجد الوفد الفلسطيني المفاوض مع إسرائيل نفسه وحيداً وعارياً امام الشارع الفلسطيني عقب سلسلة مشاريع التوسع الاستيطاني التي اطلقتها الحكومة الإسرائيلية منذ استئناف المفاوضات قبل 3 أشهر، وآخرها الإعلان عن اقامة 1500 وحدة بناء في القدس، ما دفعه الى البحث عن الخلاص الشخصي بالاستقالة. لكن الاستقالة التي قدمت مساء اول من امس، والتي يبدو انها لم تكن حاسمة، سرعان ما توارت عن العناوين بعدما رفضها الرئيس محمود عباس. وقالت مصادر مطلعة ل «الحياة» ان الوفد المفاوض المؤلف من الدكتور صائب عريقات والدكتور محمد اشتية هدفا من وراء الاستقالة الى توجيه رسائل الى ثلاث جهات: الجانب الأميركي، والشارع الفلسطيني، والنخب السياسية. وجاء تسريب نبأ الاستقالة قبيل ايام من موعد لقاء الوفد مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي سيعقد في مدينة بيت لحم الأربعاء المقبل. وقالت المصادر ان الوفد الفلسطيني سيقدم الى الوسيط الأميركي احتجاجاً كبيراً على اقرار اسرائيل سلسلة من مشاريع التوسع الاستيطاني اثناء المفاوضات، علماً ان الوفد الفلسطيني عاد الى المفاوضات من دون تجميد الاستيطان، مع تعهد شفوي من كيري بعدم اعلان اسرائيل مشاريع توسع استيطانية كبيرة اثناء المفاوضات. وكانت القيادة الفلسطينية أعلنت مساء الخميس انها ستتخذ «خطوات» في الأيام المقبلة رداً على توسع الاستيطان، كما نددت وزارة الخارجية بالمشاريع الاستيطانية الجديدة، لافتة الى انها تدرس التوجه الى الهيئات الدولية المعنية لإثارة هذه القضية. أما الرسالة الثانية، فكانت الى الجمهور الفلسطيني الذي وجه أخيراً انتقادات حادة الى الوفد المفاوض، خصوصاً رئيسه عريقات، بسبب مواصلة التفاوض مع الجانب الإسرائيلي في ظل استمرار مشاريع التوسع الاستيطاني. وحفلت مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات حادة ضد عريقات، وتواصلت في شكل اكثر حدة بعد تسريب نبأ استقالته وشيوع نبأ تراجعه عنها. وكتب بعضهم ان عريقات لن يتوقف عن المفاوضات لأنه يؤمن بأن «الحياة مفاوضات»، في إشارة إلى اسم كتاب اصدره قبل عامين. وقال احد المعلقين انه سيقيم تمثالاً لعريقات في حال توقف عن التفاوض. اما الرسالة الثالثة، فوجهت إلى أعضاء القيادة السياسية الذين تحمّل غالبيتهم عريقات وزر العملية التفاوضية. وقالت مصادر مقربة من الوفد المفاوض ان أعضاء الوفد يشعرون بأنهم وحيدون وليس لهم من داعم، حتى في القيادة السياسية التي كلفتهم الذهاب الى المفاوضات. وأوضحت: «يرى عريقات واشتية أن زملاءهما في القيادة يريدون التضحية بهما في مشروع المفاوضات الفاشل». ورغم الزوبعة التي أثارها نبأ استقالة الوفد وتراجعه عن الاستقالة، الا ان الرئيس عباس ملتزم مواصلة التفاوض مع إسرائيل حتى نهاية الفترة المتفق عليها، وهي تسعة اشهر تنتهي في نيسان (ابريل) العام المقبل. وقالت مصادر مطلعة ان عباس لن يتراجع عن تعهده التفاوض مع اسرائيل بهدف ضمان اطلاق باقي اسرى ما قبل اوسلو، وعددهم 51 اسيراً. ووفق الاتفاق، ستطلق اسرائيل الدفعة الثالثة من هؤلاء الأسرى نهاية كانون الأول (ديسمبر) المقبل، والدفعة الرابعة والأخيرة نهاية آذار (مارس) العام المقبل. ويقضي الاتفاق الذي توصل اليه الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي برعاية كيري بأن تطلق اسرائيل جميع اسرى ما قبل اتفاق اوسلو البالغ عددهم في حينه 104 أسرى في مقابل عودة الجانب الفلسطيني الى المفاوضات لمدة تسعة أشهر يمتنع خلالها عن اللجوء الى الأممالمتحدة لتقديم طلبات الانضمام الى منظماتها المختلفة. وكان الجانب الفلسطيني اوقف المفاوضات في السنوات الخمس الأخيرة، مشترطاً توقف اسرائيل عن البناء في المستوطنات. لكنه تراجع عن هذا الشرط امام الضغوط الأميركية، وعاد الى مفاوضات محدودة بسقف زمني مدته تسعة أشهر. وتعهد كيري توقف إسرائيل عن إصدار عطاءات بناء كبيرة خلال فترة الأشهر التسعة، لكن الجانب الإسرائيلي لم يلتزم ذلك وأصدر سلسلة مشاريع توسع وبناء كبيرة، ما ادى الى احراج الجانب الفلسطيني. وظهرت أخيراً دعوات من داخل المؤسسة السياسية الفلسطينية تطالب بوقف المفاوضات، او التوجه الى الأممالمتحدة اثناء العملية التفاوضية رداً على مشاريع التوسع الاستيطاني. كما دعت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الدكتور حنان عشراوي الولاياتالمتحدة الى «إنهاء ثقافة الإفلات من العقاب والاستثنائية التي تمنحها لأسرائيل». وقالت في بيان: «إسرائيل تخرق في شكل متعمد وفاضح قواعد القانون الدولي ومتطلبات السلام في تصعيدها الأخير المتمثل في توسيع الاستيطان». وأضافت ان اسرائيل عملت خلال المفاوضات التي بدأت قبل ثلاثة اشهر على اقرار العديد من خطط البناء الاستيطاني مثل اقامة 3700 وحدة استيطانية جديدة في مستوطنة «رامات شلومو» في القدس، وإقامة 296 وحدة في مستوطنة «بيت إيل» في رام الله، و162 وحدة في مستوطنة «ياكير» في قلقيلية، و95 وحدة في مستوطنة «شيلو» في نابلس، و31 وحدة في «آلموج» في أريحا ومنطقة وادي الأردن. وتابعت: «تشمل هذه الإعلانات أيضاً موقفاً خاصاً للسيارات مخصصاً لاستخدام المستوطنين في سلوان، بالإضافة إلى حديقة وطنية قرب جبل المكبر في منطقة وادي الجوز في القدسالشرقيةالمحتلة». واعتبرت ان «الاحتلال الإسرائيلي يكشف نياته الحقيقية المتمثلة في ايجاد إسرائيل الكبرى بدلاً من الالتزام بحل الدولتين، وأثبتت الحكومة الإسرائيلية مجدداً أن اسرائيل ليست شريكاً للسلام أو عضواً في المجتمع الدولي يحترم سيادة القانون العالمي». ورأت أن الإعلانات عن البناء «إهانة» موجهة إلى كيري والجهود التي تبذلها الإدارة الأميركية. القيادة الفلسطينية وكانت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أعلنت عقب اجتماعها برئاسة عباس في رام الله ان «القيادة الفلسطينية ستقوم بعدد من الخطوات خلال الأيام المقبلة لمواجهة الهجمة الاستيطانية ولحماية المصالح الوطنية ومنع تحول العملية السياسية الى مسيرة متعثرة وعاجزة عن تحقيق اهدافها». ودانت «الإعلان عن آلاف الوحدات الاستيطانية في القدس وباقي ارجاء الضفة بالترافق مع بعض المشاريع داخل مدينة القدس لتبرير المزيد من التهويد والاستيلاء على المزيد من الأرض الفلسطينية». وعبرت عن «تقديرها موقف الاتحاد الأوروبي في شأن مقاطعة المستوطنات ومنتجاتها، وتدعو دول العالم كافة للاقتداء بهذا الموقف الذي ينطلق من الشرعية الدولية ومن الحرص على حل الدولتين وباعتبار ان الاستيطان بأكمله هو خروج عن القانون الدولي». كما جاء في بيان لوزارة الخارجية الفلسطينية تلقت وكالة «فرانس برس» نسخة منه، ان وزير الخارجية رياض المالكي قال اثر التصعيد الاستيطاني الأخير ان «الخارجية تدرس التوجه الى المحاكم والمنظمات الدولية المختصة». ودانت «بشدة خطط البناء الاستيطاني»، واستنكرت «محاولات نتانياهو ربط الاستيطان وإقحامه بالقوة في قضية الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين».