وجدت الجمهورية التركية، في الذكرى التسعين لتأسيسها، أبناءها منقسمين على أسلوب الاحتفال بعيدها والتعبير عن فرحهم وآمالهم لمستقبلها، بين مَن يجهد لحفظ ما تبقّى من الميراث العلماني لمصطفى كمال أتاتورك، والحكومة التي طغى على برنامجها الاحتفال بافتتاح نفق «مرمراي» الذي يربط الضفتين الآسيوية والأوروبية لاسطنبول، عبر نفق تحت مضيق البوسفور، ومفاجأة نائبات من الحزب الحاكم أعلنّ نيتهن ارتداء الحجاب في البرلمان. ومع تراجع مظاهر الاحتفالات الرسمية بالأعياد الجمهورية، اقتصر الاحتفال الرسمي على زيارة تقليدية لضريح أتاتورك شارك فيها جميع مسؤولي الدولة، في مقدمهم الرئيس عبدالله غل ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، بعد تعرّضهما لانتقادات بسبب تغيّبهما المتكرر أخيراً عن مناسبات مشابهة، بحجة المرض أو السفر. لكن الأتاتوركيين الذين يتهمون أردوغان بالسعي إلى القضاء على الإرث الأتاتوركي والعلماني للجمهورية التركية الحديثة، فضّلوا الاحتفال على طريقتهم في ساحات، رافعين أعلاماً للجمهورية وصوراً لمؤسسها، كما رددوا النشيد القومي الأتاتوركي الذي حظرته الحكومة مطلع الشهر، بحجة تضمّنه عبارات تنمّ عن «تمييز عنصري»، بعد حوالى 90 عاما على إنشاده في الطابور الصباحي في كل المدارس. في إزمير وقف أحدهم رافعاً علم الجمهورية، بعد انتهاء النشيد الأتاتوركي، متهكّماً على الحكومة بقوله: «بدل هذا النشيد القومي، توزّع وزارة التعليم على الطلاب كتاباً أعدّه الأفغاني غلب الدين حكمتيار، يدعو إلى الجهاد ويَعِد المجاهدين بالشهادة والجنة، فماذا بقي من جمهورية أتاتورك؟». وحضت امرأة تقف إلى جانبه، على منع 3 نائبات عن حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، من دخول البرلمان مرتديات الحجاب، وتساءلت: «لو أن قانون السماح بارتداء الحجاب في المؤسسات الرسمية لم يصدر هذا الشهر، هل كنّ سيرتدين الحجاب بعد عودتهنّ من الحج كما قلن، وهل كانت لديهن نية ارتدائه، قبل ذهابهنّ إلى الحج أم بعد صدور القانون؟». ويعلّق أحدهم ساخراً: «كنا نتوقع استخدام ورقة الحجاب في انتخابات عام 2015، لكن يبدو أن أردوغان يستعجل الإتجار بها». في الجانب الآخر، تبدو الصورة مختلفة لدى الحكومة وأنصارها الذين احتفلوا بافتتاح نفق «مرمراي»، كونه «مشروع القرن» في تركيا، إذ كلّف حوالى 3 بلايين يورو، متوّجاً نجاح الحكومة في تنمية تركيا والنهوض باقتصادها. وقال أردوغان لدى افتتاحه: «مرمراي الذي كان حلماً طيلة 150 سنة، بات حقيقة توحّد قارتين وشعوبهما». وترفع مؤيدة لرئيس الوزراء علماً تركياً خلال الاحتفال، وتحضّ «البورجوازية» الأتاتوركية على أن تعتاد على «تقاسم» الجمهورية مع سائر الشعب، بتوجّهاته وتياراته، إذ ترى أن مستقبل تركيا لا يمكن أن يشبه عقود حكم أتاتورك. لكن أغرب تعليق من الأتاتوركيين على «مرمراي»، وَرَدَ في لافتة رُفعت في ساحة «قاضي كوي» في اسطنبول، اعتبرت أن المشروع ذا الجذور العثمانية، كان هدفه تعزيز ربط تركيا بأوروبا، فيما هدفه الآن ربط اسطنبول بالأناضول ودفع تركيا مجدداً إلى الشرق الأوسط.