امتدت طوابير الزوار نحو 13 كيلومتراً خارج ضريح مصطفى كمال أتاتورك، مشكّلة إزدحاماً لا سابق له واهتماماً مضاعفاً عن كل عام في ذكرى وفاة مؤسس الجمهورية التركية وواضع نظامها العلماني الحديث، ما اعتبره كثر رد فعل شعبياً على توجهات حكومة حزب العدالة والتنمية ذات الجذور الإسلامية، التي تتهمها المعارضة بالعمل على أسلمة البلاد والزج بها في نزاع طائفي إقليمي نأت أنقره بنفسها عن خطره لعقود بفضل نظامها العلماني على حدّ تأكيدها. وفيما غاب رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان عن المراسم البروتوكولية هذا العام بسبب وجوده خارج البلاد، تقدّم الرئيس عبدالله غل الفعاليات الرسمية التي تمثلت بزيارة ضريح أتاتورك وتدوين كلمة في دفتر زواره والاعتراف بفضله في قيادة حرب التحرير وإنشاء الجمهورية الحديثة. وفي حين تدفّق عشرات الآلاف في أنقرةوإسطنبول وإزمير لوضع أكاليل الزهر على نصب أتاتورك في الساحات العامة في تلك المدن، فشلت جمعية الحفاظ على التراث الأتاتوركي في حشد مليونية في إسطنبول امام قصر دولمة باهشة، الذي توفي فيه أتاتورك عام 1938، لكن وسائل إعلام محلية أكدت أن زوار القصر هذا العام كان عددهم مضاعفاً إذ تجاوز ال200 ألف شخص، على رغم الأحوال الجوية السيئة. عند التاسعة وخمس دقائق من صباح أمس أي في اللحظة التي فارق فيها أتاتورك الحياة، شلت الحركة في مدن كثيرة، وترجل الآلاف من حافلاتهم وسياراتهم وسط الطرق العامة لينضموا للمشاة في الوقوف دقيقة صمت حداداً على روح مؤسس الجمهورية، وتكرر المشهد في المطارات والمكاتب والمحلات التجارية والموانئ. وفي إطار سعي الحكومة لنزع الجيش احتكاره لميراث أتاتورك، تولى الامن التركي حراسة غرفة نوم الرئيس السابق في قصر دولمة باهشة وغاب الجنود عن المشهد الذي كان لا يخلو من وجودهم في الأعوام السابقة. وتحسباً لأي توتر، أعلنت وزارة الداخلية أول من أمس لكل من يريد إحياء هذه الذكرى بالخروج في مسيرات وتجمعات شعبية، على العكس ما حصل قبل نحو أسبوعين حين منعت الاحتفالات الشعبية والمسيرات بعيد الجمهورية، ما أدى إلى اشتباكات بين متظاهرين أتاتوركيين وقوات الشرطة ثم انسحاب رجال الأمن من الشوارع بعد تضاعف أعداد المتظاهرين وإصرارهم على إكمال مسيراتهم حتى ضريح أتاتورك. ويذكر أن الاهتمام بأتاتورك وميراثه العلماني بدأ يزداد أخيراً كرد فعل على سياسات حكومة أردوغان الداعمة للتيارات الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط بحجة دعم حركات التحرر والربيع العربي، في حين تصر المعارضة على ضرورة بقاء تركيا كنموذج علماني ديموقراطي، وأن تقف على مسافة واحدة من الأحزاب والتيارات كلها في المنطقة. في المقابل، تؤكد حكومة أردوغان ضرورة الابتعاد عن تقديس اتاتورك، وتذكر بأن الانقلابات العسكرية وتدخّل الجيش بالسياسة كانت دائماً بحجة الدفاع عن ميراث أتاتورك، وبأن مؤسس الجمهورية يجب أن يعود إلى كتب التاريخ ويترك حكم تركيا من قبره.