أكد عضو الجمعية السعودية لعلوم العمران مستشار تخطيط المدن الدكتور حسين آل مشيط أن «منح الأراضي» لم تحل إشكالية السكن لدينا في السعودية بل فاقمتها، وقال في حوار مع «الحياة»: «إن منح الأراضي للمواطنين أسهمت في تفاقم السكن ولم تحل قضية الإسكان، لأسباب عدة، لعلها من أهمها: عدم توافر الخدمات والمرافق والبنى التحتية الأساسية وهذا لم يتحقق فعلياً، إضافة إلى توزيع المنح في مناطق بعيدة من مراكز المدن المخدومة في ظل عدم توافر وسائل النقل». وزاد: «كما أن تقسيم مخططات المنح لقطع أراضٍ بأحجام كبيرة تراوح بين 600 و900م2 شكل كلفة في البناء تفوق إمكانات من حصل على منحة من المحتاجين، إذ لم يؤخذ في الاعتبار درس حاجة وقدرات الأسر المادية. وكما أن التوزيع غير المقنن للمنح خرج عن الهدف الأساسي، وهو توفير المساكن بل تحولت إلى نوع من الاتجار والمضاربة العقارية». ولفت إلى أن الإعلان عن أي مشروع إسكاني لوزارة الإسكان السعودية أسهم في رفع أسعار العقارات في المناطق القريبة منه، خصوصاً أن عملية السيطرة على أسعار العقارات ليست بالأمر السهل في ظل انعدام الأنظمة والقوانين التي تفرض رسوماً على الأراضي التي لا يتم البناء عليها أو استغلالها لفترة طويلة. الحوار مع آل مشيط لم يقتصر على المشكلات التي يتعرض لها قطاع العقارات، بل تناول جوانب عدة تخص القطاع.. وهنا نص الحوار: في البداية.. ما الأسباب الحقيقية من وجهة نظركم لتفاقم مشكلة الإسكان لدينا في السعودية؟ - إشكالية الإسكان في السعودية تزايد بروزها مع اهتمام الدولة بها أخيراً، وهو ما زاد من سطوع المشكلة اجتماعياً، والإشكالية ليست وليدة اللحظة، وإنما هي تراكمات لأسباب عدة من أهمها: الزيادة السكانية المطردة. ومحدودية القروض الحكومية، إذ إن حجم الإقراض الحكومي أقل بكثير من حجم الطلب المتزايد على القروض، خصوصاً أن القروض المقدمة من الحكومة والمتمثلة في صندوق التنمية العقارية محدودية وحجم الصندوق تناقص بشكل متزايد في الآونة الأخيرة بسبب الإعفاء الذي يقدمه الصندوق للمقترضين المنتظمين والإعفاءات السامية للمقترضين المتوفين، إضافة إلى عدم التزام مقترضين بالإيفاء بالسداد. كل ذلك كان له تأثير في تأخر حصول من هم في قائمة الانتظار على قروضهم. ولعل الدعم الذي أمر به خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أخيراً لزيادة رأسمال الصندوق وتقديم التسهيلات سيؤثر في شكل فعال في تقليص الأزمة بإذن الله. الدولة تسعى جاهدة إلى كل ما يحقق للمواطنين بكل شرائحهم متطلباتهم، وإن التنظيمات الأخيرة التي وضعتها وزارة الإسكان في شروط الحصول على القرض أو المسكن ستنظم عملية الإقراض للأسر المحتاجة فعلاً، ليصبح الإقراض ليس حقاً مكتسباً للجميع بل حق للمحتاج فقط من خلال ما تم وضعه من ضوابط بهذا الشأن. والواقع أن التنظيمات والقوانين لها دور فعال في توفير المساكن والقروض المناسبة للمحتاجين. مع آلية دقيقة بإلزام المقترضين بالانتظام بالسداد لإعطاء الفرصة لبقية المواطنين في قوائم الانتظام. في رأيكم.. هل أسهمت «منح الأرضي» في حل مشكلة السكن أم فاقمتها؟ - منح الأراضي لم تحل قضية الإسكان ولم يتحقق الهدف المقصود من هذا الأمر، لأسباب عدة، أهمها: عدم توافر الخدمات والمرافق والبنى التحتية الأساسية، وهذا لم يتحقق فعلياً، إضافة إلى توزيع المنح في مناطق بعيدة من مراكز المدن المخدومة في ظل عدم توافر وسائل النقل، كما أن تقسيم مخططات المنح لقطع أراضٍ بأحجام كبيرة تراوح بين 600 و 900م2 شكل كلفة في البناء تفوق إمكانيات من حصل على منحة من المحتاجين، حيث لم يؤخذ في الاعتبار درس حاجة وقدرات الأُسر المادية. وكما أن التوزيع غير المقنن للمنح خرج عن الهدف الأساسي وهو توفير المساكن، بل تحولت إلى نوع من الاتجار والمضاربة العقارية. المجتمع السعودي متزايد والنمو السكاني المستمر يعطي مؤشراً نحو الحاجة المتزايدة مستقبلاً للمزيد من المساكن، إذ يجب أن يؤخذ في الاعتبار وضع سياسات وبرامج الإسكان والإقراض الحكومي، وتوفير مسكن لكل أسرة محتاجة يجب أن يكون هدفاً جلياً لوزارة الإسكان التي وضع ولي الأمر لبنتها الأساسية ودعمها بموازنة ضخمة لإنشاء 250 ألف مسكن كمرحلة أولى، إذ سيسهم هذا الأمر في شكل مباشر في حل الأزمة الإسكانية في الفترة الحالية والمسقبل القريب، ولعل الأهمية تكمن في وضع برنامج إسكاني طويل المدى يراعي الحاجة السكانية المتزايدة مستقبلاً وفي شكل متطور، بحيث يستفاد من التجارب الحالية لمعالجة أي قصور في البرامج الإسكانية الحالية. يعاني قطاع العقارات في السعودية منذ مدة طويلة من ارتفاع في الأسعار بطريقة غير مبررة.. من المسؤول عن ذلك من وجهة نظركم؟ وهل مشاريع الإسكان المطروحة والمعلنة كفيلة لحل هذه الأزمة؟ - ارتفاع أسعار الأراضي وتزايدها المستمر يعودان إلى أسباب عدة، ومن تلك المسببات ارتفاع الطلب المتزايد في الفترة الأخيرة لأسباب مختلفة، سواء للسكن أم الاستثمار مع توافق هذه الحركة العقارية مع الطفرة الاقتصادية والتنموية التي تعيشها المملكة العربية السعودية. كما أن الحاجة المتنامية إلى المساكن زاد من الطلب على الأراضي وارتفاع أسعارها. كما أن المضاربات والاستثمار العقاري في المملكة هما أحد أكبر مجالات الاستثمار لكل شرائح المجتمع، لكونه الاستثمار الأقل جهداً وخطراً والأكثر استقراراً وتنامياً، وهو ما جعل التوجه للعقار أكثر القنوات الاستثمارية المتاحة هو الأعلى، وهو ما انعكس على ارتفاع أسعار الأراضي. ولعل دور الأنظمة والقوانين في بعض الاتجاهات يمكن أن يكون أحد الأسباب الرئيسة في ارتفاع أسعار الأراضي، كالسماح بزيادة الارتفاع في المباني أو تحويل بعض المناطق أو المحاور في الاستخدام من سكني إلى تجاري أو إيصال المرافق والخدمات الأساسية التي تؤثر في تحويل تلك القطع من الأراضي من أراضي بيضاء لا يستفاد منها إلا في عملية المضاربات الحكومية والاستثمار طويل المدى وبمجرد توافر الخدمات أو إيصالها لتلك الأراضي ترتفع أسعارها بشكل ملحوظ. إن سوق العقارات والأراضي في المملكة تخضع لنظام العرض والطلب، ولكن بشكل جزئي، وفي ما يتعلق بالأراضي التي يتم الطلب عليها من أجل البناء مباشرة فإن تأثير العرض والطلب في الأراضي في ما يتعلق بالمضاربات العقارية غالباً لا تتأثر السوق العقارية بالانخفاض في أسعارها إنما يحدث ركود فترات معينو وما تلبث أن تعود في الارتفاع متأثرة بقرار حكومي استراتيجي كالقرارات السامية الأخيرة من تطوير الأراضي الممنوحة للمواطنين أو قرار إقرار نظام الرهن العقاري أو إنشاء المشاريع الإسكانية الضخمة، سواء التي تخضع لنظام الإقراض أو المنح أو الإسكان الخيري أو التعاوني. كيف نتمكن من السيطرة على أسعار الأرضي لدينا؟ - إن السيطرة على ارتفاع أسعار الأراضي ليس بالأمر السهل، خصوصاً أنه لا يوجد أي أنظمة أو قوانين تفرض رسوماً على الأراضي التي لا يتم البناء عليها أو استغلالها، ولعل فرض نظام يمنع تملك الأراضي فترات طويلة يتم تحديدها ولقطع الأراضي التي تزيد مساحتها على مساحة معينة وفرض رسوم تحدد بنظام زكوي يفرض على ملاكها ويودع في بيت المال توجهه للصرف على المحتاجين إليها. وربما يسهل تطبيق نظام الرهن العقاري في عملية تطوير العديد من الأراضي التي مضى عليها فترات زمنية طويلة لم تطور. في رأيكم.. هل مشاريع الإسكان المطروحة حالياً ستحل إشكالية السكن لدينا؟ - بالنسبة إلى مشاريع الإسكان المعلنة فإنها ليست كفيلة بحل أزمة الإسكان في فترة وجيزة، كما يأمل الكثير من أفراد المجتمع، بل تحتاج إلى مزيد من الوقت حتى يتحقق نتاجها. إن البرنامج الإسكاني المعلن في حال تنفيذه في الوقت المتوقع سيسهم في شكل كبير في حل الأزمة الإسكانية في فترة السنوات الخمس المقبلة، ولا بد من إيجاد تنظيم وبرامج طويلة لاحتواء المشكلة ومنع ظهورها بشكل متأزم مرة أخرى. ولكن لا بد من الوعي التام لأن الأزمة الإسكانية لها حلول مترابطة بشكل مباشر وغير مباشر مع جهات أخرى، فلا يمكن أن يكون حل الأزمة مرتبطاً فقط بوزارة الإسكان، نعم يقع على كاهلها الجزء الأكبر، لكن هناك جهات أخرى يجب أن تسهم في حل الأزمة، خصوصاً في إسكان شريحة ذوي الدخول الأعلى التي تختلف قدراتهم ويحتاجون إلى دعم جهات تمويلية أو جهات إقراض تسهم في حصولهم على مساكن. يشاع في الأوساط العقارية أن إعلانات وزارة الإسكان أسهمت في رفع أسعار العقارات ولا سيما في المناطق القريبة من مشاريعها.. ما تعليقكم على ذلك؟ - لا شك أن أي مشروع حكومي يعلن إنشاؤه ينعكس تأثيره في أسعار الأراضي والعقارات بشكل مباشر، ويؤدي إلى ارتفاع في أسعارها، لأنها ستكون في دائرة التطوير ووصول الخدمات والبنى التحتية والمرافق، فتتحول تلك الأراضي من أراضٍ غير مخدومة إلى أراضٍ مخدومة وقريبة من التنمية، وهو ما يؤدي إلى إمكان البناء والتطوير والاستثمار لتلك الأراضي ولخدمة المشاريع المعلنة أيضاً.